رمال من أمل 26

قبلت يد جدتي ورأسها، كانت تبكي بألم وتقول لي: اشتقت إليكيا صغيرتي.

خرجن جميع النساء من الغرفة وبقيت معها وحدي: كيف حدث هذا؟ لماذا وضعوك في الدار يا جدتي؟

تنهدت جدتي ومسحت دموعها قائلة: عندما خرجت من المنزل جاءت والدتك وقالت لي بأنها لم تعد تتحمل دلالي الزائد لك، وأنه كان من المفترض أن أطلب منك تقبل زواج اختك وتهنئتها، لم أجبها سوى بجملة واحدة لم تعجبها: كان عليك انت تربيتها وتعليمها فهي ابنتك.

كنت استمع اليها وقلبي يحترق وتابعت هي تقول: عندما لم تتحمل كلامي نادت للعاملة وطلبت إليها حزم امتعتي، سألتها عن ما تفعله لكنها تجاهلتني، ولم أجد سوى أباك ينظر إلي بصمت ويشير للخادمة أن تساعدني على النهوض، تركوني هنا في هذه الدار ورحلوا حتى أنهم لم يخبروا أحدا من أهل الدار عني بل أدخلني عامل النظافة جزاه الله خيرا.

قبلت يديها وقلت لها: لن تبقي هنا يا جدتي، سوف تأتين معي.

اشاحت بوجهها قائلة: لا لن أعود لذلك المنزل.

قلت بأسى: لم يعد هناك منزل.

حدقت بي وكأنها كانت تنتظر سماع شيء آخر غير ذلك، شدت على يدي وقالت: ماذا حدث؟

حاولت جاهدة منع نفسي من البكاء وأجبتها: لقد هاجروا وطردوني من المنزل والآن أنا أسكن في بيت شقيق صديقتي.

طرق راشد الباب ودخل مع سارة: السلام عليك يا جدة نورة.

رفعت بصرها إليهم مبتسمة: أهلا وسهلا يا ابنائي.

سارة: نعتذر لقطع حديثكن، لكننا اشتقنا لرؤيتك بسب حديث أمل اللطيف عنك، انها تحبك كثيرا.

نورة: وانا احبها ايضا ف لم يبق لي احد يحنو علي سواها.

أمل: هذه سارة يا جدتي وهذا أخوها راشد.

نورة: تشرفت بكما وأشكركما أيضا على ايواء ابنتي.

راشد: لا داعي للشكر يا جدة انه واجبنا، كما أن أمل تستحق كل الخير.

ألقت جدتي نظرة علي وعلى راشد وابتسمت بخفة، ثم قال راشد: حسنا يا جدة سوف أطلب منهم حزم حقيبتك و…

قاطعته قائلة: إلى أين سأذهب ليس هناك مكان لي أنا وأمل، يفترض أن تبقى معي إن أمكن.

راشد: غير معقول هذا المكان ليس لكما، أمل موجودة في شقتي وانا مع عائلتي فالمنزل سوف تبقين معها، وان كان لك رغبة في شيء آخر أنا في الخدمة.

يتبع…

رمال من أمل 25

بعد خروجي مع راشد وسارة قام بالاتصال بمعارفه في المطار ليسأل عن جدتي واعطاهم بياناتها لكنهم أخبروه بأنه لا يوجد أحد قد سافر بهذا الاسم.

تمتمت: اه يا جدتي نورة أين أنتي؟

راشد: لا تتشائمي سريعا يا أمل ربما كانت عند أحد معارفكم هنا.

قلت: لا يوجد لنا معارف هنا، كل من نعرفهم في مدينة أخرى وليس لنا صلة بهم.

سارة: سوف نجدها بإذن الله.

واصلنا البحث في كل مكان، لم يخطر ببالنا أبدا أنه يمكن أن تكون في دار مسنين، قال راشد بتردد: عفوا أمل لدي ما أقوله لكن أرجوا أن لا يزعجك.

مسحت دمعة سقطت على خدي وقلت: تفضل ولا تقلق.

راشد: بعد ترك والديك لك بهذه الطريقة، اعتقد انهم فعلوا نفس الشيء مع جدتك، ولكن لكونها مسنة ف اظن انهم وضعوها في دار للمسنين.

شهقت بقوة: دار؟! جدتي العزيزة يالتعاستك.

سارة: ارجوك يا أمل اهدأي.

راشد: لا يوجد هنا سوى دار واحدة للمسنين سوف نذهب إليها.

دعوت الله ان نجد جدتي بخير فهي رغم كل ما مرت به كانت قوية دائما وتحثني على ذلك، حين وصلنا للدار بدأ قلبي يخفق بشدة شعرت بأن رائحة جدتي تهب من أمام باب الدار.

امسكت بسارة وكنت مترددة بالدخول، قالت لي: تماسكي يا أمل من فضلك.

دخلنا متجهين ناحية ركن الاستقبال، لا أحد فالحديقة فالجو كان حارا قليلا، استقبلتنا سيدة تدعى هدية: أهلا بكم هل جئتم لزيارة أحد المسنين هنا؟

راشد: جئنا للسؤال عن سيدة مسنة نعتقد انها موجودة هنا.

هدية: ما اسمها.

أجبت أنا: اسمها نورة بنت عبدالرحمن ال… هل هي هنا.

ابتسمت هدية بحنان: أه الجدة الطيبة نورة كم أحبها.

راشد بقلة صبر: هل هي هنا؟

هدية: نعم.

قالت تلك الكلمة ثم صرخت: كيف تتركونها هنا دون السؤال عنها هذا عيب…

قاطعها راشد: من فضلك دلينا على مكانها بسرعة، وبعدها يمكنك مناقشتنا.

وصلنا لإحدى الغرف الكبيرة كان بها مجموعة من النساء يضحكن بصوت عال، تقدمت بخطوات مترددة وألقيت نظرة للداخل، رأيت جدتي كانت منهمكة في حديث شجي، كانت تحكي لهم قصة كررتها على مسامعي كثيرا وصلت الى الجملة التي أحبها ثم أكملت عنها: انهم مثل العصافير يهاجرون من مكان لآخر لكن العصافير لطيفة.

ساد صمت قصير، رفعت جدتي رأسها تبحث عن مصدر الصوت، لم امهلها لتكمل البحث، اسرعت والقيت رأسي بين يديها وجهشت بالبكاء: سامحيني يا جدتي لم أبق معك لأمنعهم…

ربتت على رأسي بحنان وكن النساء قد بدأن بالبكاء أيضا، وكأنني ايقظت شعورا حزينا آخر بهم، قالت إحداهن: ليت ابنتي رحومة مثلك، هداها الله.

 

رمال من أمل 24

أخذني حديثه لمكان بعيد عدت منه حين أشار بيديه امام وجهي قائلا: هيي هل أنت هنا؟!

ابتسمت بخجل وقلت: المعذرة شردت قليلا، هل أنت ذاهب؟

حمل حقيبته وهو يقول: نعم علي الوصول للمنزل قبل انتصاف الليل.

ضممت يدي الى صدري وقلت: هل سترتاح هناك؟

راشد: لا تقلقي انه وضع مؤقت ولن يطول الأمر.

قلت بقلق: ماذا تعني؟

راشد: سوف تعرفين لاحقا، على كل حال سوف أمرك غدا مع سارة حتى نبحث عن جدتك، ولا تقلقي لن أخبر سارة عن معرفتنا المسبقة، سوف أقول شيئا آخر.

ابتسمت بفرح: حسنا، انتبه على نفسك، تصبح على خير.

غادر راشد وكنت لازلت غير مستوعبة لما يحدث، صدمتي بوجوده وشقته هذه جعلتني أشعر بمشاعر قوية وغريبة، رحت اتلمس كل شيء يخصه في تلك الغرفة حتى ملابسه المعلقة في الخزانة وعطوره وزجاجة الماء الموضوعة بجانب سريره، كل شيء أصبح أجمل في نظري، ما جعلني أنام بعمق وهدوء تام.

استيقظت فالصباح عند الساعة الثامنة والنصف، كان الجو صحوا وبه برودة خفيفة، اخذت حماما منعشا وارتديت قميصا طويلا ابيض مع تنورة خضراء، تناولت فطوري وجلست امام الشرفة في انتظار اي خبر من راشد، كنت متحمسة جدا لأعرف أي شيء عن جدتي، بعد نصف ساعة رن هاتفي وكانت سارة: صباح الخير يا أمل.

أجبت بحماس: صباح النور كيف حالك يا سارة.

سارة : أنا بخير وقادمة مع راشد لقد أخبرني عن لقاءكما بالأمس هههههههه

قلت بخجل: يا إلهي لقد خجلت حين رأيته يقف مصدوما في غرفته.

سارة: ههههههههههه نعم سوف تخبرينني أنت بالتفصيل لاحقا، هل أنت جاهزة الآن؟

أجبت: نعم نعم سوف أرتدي عباءتي، انا في انتظاركم.

أغلقت الهاتف و بعد لحظات قليلة كان راشد وسارة بانتظاري فالأسفل.

يتبع…

رمال من أمل 23

كان راشد يتجه ناحية المطبخ المفتوح على الصالة، تناول كأس ماء بارد، تقدمت نحوه وقلت: لماذا تبقى في هذه الشقة طالما انك تستطيع العيش في منزل والديك؟

وضع الكأس جانبا ثم ارتكز بيديه على الطاولة وقال: ذلك المنزل لم يعد كما كان قبل سنوات طويلة، توفيت امي عندما كان عمري خمسة عشر عاما وكنت الابن الوحيد لأبي، تزوج بعدها من السيدة ميساء لكي تساعده في تربيتي لكنها لم تحبني كثيرا بل كانت تمقت وجودي وتعاملني بجفاء حتى حملت وأنجبت جابر وسارة التوأم.

قلت: سارة لديها أخ توأم؟

تابع يقول: نعم انه يدرس في بريطانيا الآن، لقد غادرت المنزل عندما اكملت العشرون، طلبت من والدي أن أعيش بمفردي واستقل بحياتي بعيدا، رفض في البداية لكنه اقتنع عندما أخبرته أنني سوف أكون أكثر راحة هكذا، انفذ مشروعي وتأخذ ميساء راحتها فالمنزل.

شعرت بأن راشد وحيدا مثلي بالرغم ممن حوله، لكنني لم افهم لماذا يبدو مختلفا عمن كان عليه في حفل جاسم!

لاحظ شرودي وسألني: مابك؟

قلت بسرعة دون تفكير وبعصبية: لماذا كنت في حفل جاسم؟ كيف تكون صاحب شخصيتين في نفس الوقت؟

أراد أن يضحك بصوت عال لكنه اكتفى بابتسامة بائسة وقال: عندما بدأت في تنفيذ مشروعي تعرفت إلى أناس كثر من بينهم جاسم، كان يقيم هذه الحفلات باستمرار وكنت أحضر للتسلية، جميع من يحضر هناك يتسلى، كنت أرى جميع الفتيات هناك بشكل واحد لكنني حين رأيتك أنتي انتابني شعور غريب، فلم أرى ذلك الشبه بينك وبينهن أبدا.

قلت: كيف رأيتني اذا؟

تابع يقول: لم أرى فيك شغفهن لنيل رضى أي رجل، كنت تقفين بعيدة عن صخب الأحاديث وكؤوس الهوى، مظهرك ونظراتك يجمعهما خوف وحزن وترقب وندم أيضا.

أسرعت قائلة: رأيت كل ذلك بي؟

راشد: رأيت ما لم تفهمه بدور وجاسم ولا أي شخص آخر فالحفل، اقتربت منك لأتأكد مما أراه، خفت أن تخيبي ظني لكنك لم تفعلي، حتى أنك رقصتي معي بلا مبالاة، منذ ذلك اليوم تركت تلك الحفلات وقطعت اتصالي ب جاسم وبعد أن عدت لمنزلك سافرت أنا لأبتعد عن كل شيء وأعود بروح جديدة كليا.

يتبع …

رمال من أمل 22

حدقت به طويلا ثم نهضنا لنجلس في غرفة المعيشة: ماذا حدث لك يا أمل؟

كان سؤاله يحمل هدفا واحد وهو سبب وجودي في شقته، سرحت قليلا قبل ان اقول: هاجر أهلي وتركوني بمفردي هنا وقبل رحيلهم طلبوا مني أن أغادر المنزل وحينها لم أجد من ألجأ إليه سوى سارة التي تعرفت عليها فالجامعة وفتحت لي شقتك لأبقى بها.

راشد: كم هذا غريب، أنا لم أرى في حياة أهل يعاملون ابنتهم بهذه الطريقة ويرحلون تاركين اياها بمفردها!

سقطت دمعة حارقة على وجنتي قلت بها: لم يعد مهما ما فعلوه بي ورحيلهم ايضا، انا حزينة فقط لأنني لا أعرف شيئا عن جدتي.

راشد: أين ذهبت؟

تنهدت بقوة وقلت: قالوا لي بأنها سافرت ولا علم لي إلى أين أو متى تعود.

نهض راشد ووقف امام النافذة قائلا: ربما لم تسافر يا أمل.

وضعت يدي على صدري بخوف: هل تكون قد…

قاطعني قائلا: لم أقصد ذلك، بل قصدت بأنه قد تم نقلها لمكان آخر بعيد دون رغبة منها.

بدأت بالبكاء وانا اقول: إلى أين أخذوها، جدتي المسكينة ماذا فعلوا بك؟

اقترب مني راشد محاولا تهدئتي: اهدأي يا أمل وادع الله بأن تكون بخير، سوف نبحث عنها و سنجدها ان شاء الله.

مسحت دموعي وقلت: راشد…

اجاب: نعم تفضلي.

قلت بتردد: أشعر بالخجل ف هذه شقتك و …

راشد: و ماذا؟

تابعت: حسنا…علي أن أجد سكنا آخر لتستلم أنت شقتك وتبقى فيها…

قاطعني ضاحكا: كيف تقولين شيئا كهذا؟ يجب أن تبقي هنا، أنا لدي منزل أهلي وغرفتي موجودة سأذهب إليهم.

كنت خجلة جدا من أن ابقى وهو يرحل كما أن كثيرا من الأسئلة شغلتني أردت معرفة أجوبتها.

تابع…

رمال من أمل 21

لم أشعر بأنني غفوت على الكرسي وبحوزتي الدفتر الصغير وبقيت على هذا الحال حتى الساعة العاشرة مساء, كنت أتألم بسبب نومي على الكرسي فأخذت حماما دافئا واستلقيت في غرفتي.

صادفت الكثير من المشاكل بالجامعة وخصوصا تعرضات هجير المستمرة لي ومحاولتها ادخالي لمجموعتها السيئة لكنني لم استسلم لها ابدا بل صبرت حتى طردت من الجامعة مثل بدور

شعرت بالراحة النفسية بعد هذا كله ومر على وجودي بالمنزل 3 اشهر مليئة بالمرح والمغامرات الأخرى مع سارة, صادفت سميرة في أحد المرات لكنني لم أحدثها طويلا بل كل ما دار بيننا هو سؤال عن الحال فقط وأبلغتني بأنها ستهاجر لفرنسا مثلما فعل والداي بهجرتهما

لم أشعر بالحزن نهائيا ولا أعرف لما تبلدت مشاعري من ناحيتهم, وكأنني بدأت أنساهم.

في الشقة:

ما هذه الأشياء في شقتي؟ ملابس نسائية في خزانتي وعطر ومكياج! ما هذا كله؟ وكما أن هناك من يستعمل فراشي وأدواتي

هل قاموا بتأجير شقتي لأحد ما؟

عدت للشقة وفتحت الباب وفاجئني وجود حقيبة ومعطف رجالي على الكرسي: يا إلهي من هنا؟

كنت خائفة جدا وضعت أغراضي بجانب المعطف ومشيت بخطوات حذرة نحو غرفة النوم سمعت صوت أحدهم: لا أحد يجيب على الهاتف أين ذهبوا؟ وكما أنني لا أجد تفسيرا لما يحدث هنا.

اقتربت من مصدر الصوت أكثر وكانت نبضات قلبي تتسارع وتزداد قوتها, نظرت من خلف الباب وحاولت معرفة من الموجود بالداخل لكنني لم أرى سوى ظهره فقط

سمعت صوته مرة أخرى: أووووه فليجب أحدهم على الهاتف.

كان هذا الصوت مألوفا لي إنه يشبه صوت راشد كثيرا, لكنني خلت انني أتوهم فقط ,تقدمت من الباب أكثر وقلت بحذر وتردد: من بالداخل؟

لم أسمع إجابة سريعة وبقيت منتظرة.

قال هو: هذا صوت فتاة! إنني أعرف هذا الصوت سمعته كثيرا ولم أنسه, لم يغب عني أبدا…لا ربما أنا أحلم…

كررت سؤالي: من بالداخل أجبني من أنت؟

لم أسمع إجابة أيضا, تابعت النداء: أرجوك إن كنت لصا فغادر المكان ولا تؤذني, لا أريد أن أتسبب في المشاكل مع صاحب المنزل وإن كنت شخصا آخر فاخرج وحدثني

تساقطت دموعي خوفا فجلست على الأرض مقابل الباب: وكنت أردد أرجوك أخرج من الغرفة…لما لا تجيبني؟

خرج من الغرفة وحدق بي كثيرا وهو يردد بداخله: أمل…أمل حبيبتي…نعم أنتي هي.

تقدم مني وانحنى على الأرض ورفع وجهي بيديه: مازلت كما أنتي تبكين حين تواجهين مشكلة.

قلت بارتباك: راشد…أنت راشد أليس كذلك, قل أنني لا أحلم ….أرجوك أنا خائفة فالمنزل ليس لي أنا هنا فقط…

وضع يديه على فمي وقاطعني قائلا: كفي عن البكاء يا أمل واهدأي ما من داع لكل هذا الخوف.

قلت وأنا أحاول مسح دموعي: فاجئني وجودك كما أنني لا اعرف كيف ولماذا أنت هنا هذا المنزل لشخص اسمه راشد أيضا…

ضحك قائلا: هههههههههههههه وإلى الآن لم تدركي من هو راشد؟!

قلت بدهشة: أنت راشد صاحب المنزل حقا!

راشد: نعم يا أمل أنا صاحبه.

قلت: كيف لم أدرك ذلك…كل شيء هنا كان يذكرني بك ويشعرني بوجودك حولي…حتى سارة ملامحها وتصرفاتها كانت تشعرني بقربك مني …لهذا لم اقوى على نسيانك وعدم التفكير بك…

راشد: أحقا حاولتي نسياني يا فتاة؟!

تنبهت لكلامي الذي قلته له وخجلت جدا لكنني قلت: آسفة لا اعرف كيف نطقت بتلك الكلمات.

راشد بابتسامة: لم تحاولين الهرب من مشاعرك؟ لما تزيدين من حيرتي يا أمل؟

رفعت وجهي وقلت: أنا…امممم ماذا تقصد بكلامك؟

راشد: ألا تحبينني كما أحبك؟

فتحت فمي لكنني لم أنطق بكلمة واحدة فقد فاجئني ما قاله هو يحبني أيضا؟ يحبني كما أحببته؟

رمال من أمل 20

مرت أيام كثيرة اعتدت فيها على المنزل وبدأت أتعلق بكل شيء فيه حتى أصغر الأشياء هناك فقط غرفة واحدة صغيرة لم أدخلها كثيرا كانت عبارة عن مكتب خاص بصاحب المنزل بها رفوف تحوي مجموعة كتب وطاولة مكتب منظمة عليها بعض الاوراق والملفات, دفعني فضولي لتفحص كل شيء فيها فجلست على الكرسي أطالع بعض الأوراق: هذا ملف خاص بالعمل وهذه رواية بوليسية امممم…ما هذا الدفتر يا ترى؟

فتحته وبدأت بالقراءة, ربما ليس من حقي فعل ذلك لكن جذبني هذا الدفتر وقرأت السطر الأول من الورقة الأولى:

بعض الأشياء لا تبدو جميلة كما نراها في الواقع

ربما تكون سيئة من الداخل ونحن غير مدركين

هكذا صداقتنا مع من حولنا يجب أن يشملها الحذر

فليس كل من يبتسم لنا أو يحدثنا بكلام جميل

يكن لنا الخير.

كانت كلمات جميلة تعبر عن حالتي….تذكرت بدور انها تمثل تلك العبارات تماما…تابعت القراءة حتى وصلت لآخر ورقة كتبت وقد دون فيها عبارات غريبة:

أنتي معي في كل لحظة

احترت بكِ كثيرا حين عرفتك

جذبني صمتك وخجلك

وتلك الدموع التي لم أصدقها

إلا حين ضممتك إلي بقوة

لم تكتمل تلك الكلمات لكنها نفذت لقلبي بسرعة وحركت مشاعري حتى أنني ضممت الدفتر لقلبي وسقطت دموعي دون أن أنتبه.

رمال من أمل 19

بدأت بجمع أغراضي للسكن في تلك الشقة التي ذهبت لرؤيتها مع سارة قبل الانتقال البها, كان كل شيء بها مرتب ونظيف ورغم خجلي وعدم استيعابي لفكرة العيش في شقة رجل إلا أن كل شيء في هذه الشقة الصغيرة كان يجذبني بقوة

كنت أشعر مع كل خطوة أخطوها فيه بمشاعر متأججه ودفء لم أشعر به من قبل, دخلت الغرفة التي سأنام فيها كانت ذات رائحة جميلة ومنظر فخم جدا, قالت لي سارة:

ليست غرفة بناتية كما ترين إلا أنها كلاسيكية وهادئة كما يحبها أخي راشد تماما.

كلما ذكرت اسم راشد تتسارع نبضات قلبي, وتهتز مشاعري إلا أنني أتدارك الأمر قبل أن تشعر سارة بشيء: حسنا إنها رائعة جدا يا سارة وهي تعجبني.

سارة: جيد لن تشعري بالغربة هنا إذن…سوف أتركك لتأخذي راحتك بالمنزل وإن احتجت لأي شيء لا تترددي بطلبي.

قلت: أشكرك سارة أنتي صديقة رائعة حقا.

ضمتني بقوة وقالت: نحن أخوات عزيزتي وسأكون سعيدة طالما أنتي سعيدة أيضا…حسنا ستجدين كل ما تحتاجينه هنا من طعام وشراب وأغراض أخرى…أتمنى أن تستمتعي بالمكان…وداعا.

ودعتها وبدأت بتفقد المكان بدقة تبدو شقة هادئة جدا, كما أنها في حي راقي أيضا…دخلت لغرفة النوم الواسعة والكبيرة توجد بعض العطور الرجالية على التسريحة وبعض الكريمات وأدوات أخرى

وعلى الطرف الآخر توجد كراسي متقاربة من بعضها وأمامهما طاولة صغيرة , كنت قد رتبت أغراضي بالخزانة  وذهبت للمطبخ الصغير لتناول بعض الطعام:

حسنا ماذا يوجد هنا؟…خبز وجبن وخضروات ومشروبات باردة ومنعشة …امممممم كل الأطعمة شهية, كنت أبحث عن أفضل شيء يمكنني تناوله مساءا, لفت نظري لوحة صغيرة معلقة على الجدار بها استكرات وقوائم

حدقت بها: خبز بيض وزبدة وشاي …على ورقة أخرى موعد مقابلة الصحفي: 2/10/ 2010م… وأشياء أخرى لم أقرأها.

ابتسمت لترتيب هذا الرجل يبدو لي بأنه منظم جدا, قمت بتناول بعض الطعام الخفيف وخلدت للنوم

رمال من أمل 18

استندت بجسدها إلى الطاولة وقالت: كنت واثقة من أننا سنلتقي مجددا…وها قد حدث.

قلت: وهل كنتي تنتظرين هذا اليوم حقا؟

أجابت: نعم وقد جاء دون تأخير…في المرة الماضية لم تسمعي كلامي حين منعتك من دخول غرفة القياس وها أنتي تكررين نفس الشيء وترفضين الغناء معنا…

قاطعتها قائلة: وفيم يهمك رفضي او موافقتي؟ هل تتوقعين مني الرضوخ لأوامرك مثل الاخريات؟

هجير: أتوقع منك الكثير يا حلوة فأنا لا يرفض لي طلب أبدا وكل ما أريده ينفذ فالحال…لذلك سوف تنهضين معي وتغنين مثلما فعلن الأخريات من دون نقاش.

قلت بدون اكتراث لكلامها: لدي محاضرة الآن … اذهبي وتابعي غناءك بنفسك ربما ينتهي العرض ولم تنالي حصتك من المديح والمجاملة.

مشيت بخطوات سريعة حتى لا أتأخر لكنها لحقتني وجذبتني بيديها القويتان وقالت: من تظنين نفسك لتتكلمي معي بهذه الطريقة؟

قلت بعصبية: أنتي مزعجة حقا! وإن لم تكفي عن ملاحقتي سوف أبلغ إدارة الجامعة بتصرفاتك وتكونين عبرة لمن لم يعتبر.

هجير: تهددينني إذن؟! هذا جيد …

قاطعتها: أرجوا أن لا تعيدي علي اسطوانتك القديمة فلا يهمني من تكونين ولا تهمني عائلتك كلها.

انصرفت دون توقف ابدا حتى وصلت لبوابة الجامعة…كنت منزعجة جدا وحاولت تهدأت نفسي وخرجت بعدها دون حضور آخر محاضرة.

حين عدت للمنزل وجدت بعض الحقائب أمام الباب, تسمرت في مكاني وقلت: هل عادت سميرة بهذه السرعة؟ او ربما عادت جدتي!

فتحت الباب بسرعة ودخلت وكان أبي يقف في الردهة وبيده سيقار ينفثه بقوة قلت: هل عادت جدتي؟

ضحك ابي بصوت عالٍ وقال: أي جدة يا فتاة؟ ههههههههههه ألازلت تفكرين بها؟

قلت بحزن: حقائب من إذن هذه؟

قال: أنا وأمك سنسافر لبريطانيا بعد قليل.

جلست بخذلان على الكرسي الموجود أمامه وقلت: ستتركانني هنا بمفردي إذن…

قاطعني قائلا: سنغيب لفترة طويلة قد تمتد لعام بسبب أعمالي الحالية وسوف أقوم بتأجير هذا المنزل لذا وضعت لك بعض النقود في غرفتك تكفيك للحصول على سكن بالجامعة أو أي مكان آخر تريدينه.

انهرت باكية بعد سماعي لكلماته: ألا تشعران بي؟ ألا أهمكما أبدا كل ما تفكران به هو مشاريعكما وأعمالكما الأخرى وسميرة و…

قاطعني منزعجا: توقفي عن الصراخ يا فتاة لا أريد سماع أي نقاش أو تذمر …المال في غرفتك ولديك يومان فقط لترك المنزل لأن المستأجر سيأتي خلال ايام قليلة…

خرجت والدتي من غرفتها وهي تنظر إلي دون اهتمام وقالت: هيا بنا تأخر الوقت يا عزيزي….أرجوا أن تنفذي كلام أبيك بسرعة…وداعا.

حاولت استيعاب ما حدث كله لكنني كنت منهارة…لا أعرف كيف أتصرف ولا إلى أين اذهب …تذكرت سارة صديقتي فهاتفتها وطلبت مساعدتها, طلبت مني مقابلتها في منزلهم الكبير.

ولم أتردد في ذلك بل أسرعت إليها وأخبرتني بأنها ستساعدني:

سارة: لا تحزني يا أمل ربك كريم يا عزيزتي وسوف يندم والداك على ما فعلوه بك.

قلت: ولكن أين أجد مسكن الآن؟ هذا صعب و…

سارة مقاطعة: سوف تسكنين في شقة أخي راشد.

قلت: هل لديك أخٌ اسمه راشد؟

سارة: نعم وهو صاحب هذه الشقة التي أخبرتك عنها.

قلت بأسى: ألن يغضب لو علم بوجودي في شقته أو يكون بحاجة إليها؟

سارة: لا أبدا … وهو مسافر منذ فترة وربما يتأخر في سفره قليلا…لا تفكري بالأمر ويمكنك السكن فيها منذ اليوم إن أردتِ.

رمال من أمل 17

في الجامعة:

كان أول يوم لي بعد الغياب  شعرت بأنني أرى الطالبات والأساتذة لأول مرة مع أن الفترة كانت قصيرة إلا أنني أحسست بأنها شهر كامل التقيت ببعض الطالبات المستجدات وكن يسألنني عن بعض الأماكن بالجامعة.

قابلت فتاة في مثل عمري: مرحبا

قلت: أهلا بك

قالت: هل تعرفين أين يقع مكتب الأستاذ جبران؟

قلت: هل تقصدين استاذ الفكر والفلسفة؟

قالت: نعم.

أجبتها حسنا تعالي معي وسأدلك عليه.

قالت: شكرا…لم أتشرف باسمك…

أجبتها: اسمي أمل…وأنتي؟

قالت: سارة

قلت: تشرفت بك.

سارة: أشكرك

وصلنا لمكتب الأستاذ وقلت: هذا هو مكتبه

سارة: أشكرك جدا لقد اتعبتك معي

قلت: لا شكر على واجب

تركتها عند المكتب وذهبت لمحاضرتي الأولى حين رأيت طالبات صفي وهن يرحبن بي بعد عودتي كان نهارا جميلا لكني استغربت عدم  وجود بدور بينهن

كان صوتها يصدح بالمكان حين تأتي, سألت إحدى الطالبات عنها فقالت: أوه بدور فصلت من الجامعة ألا تعلمين ذلك؟

قلت: فصلت؟ متى حدث ذلك؟

قالت: فصلت الخميس الماضي لسوء سلوكها.

شرد ذهني قليلا: سوء سلوكها؟ هل عرفوا ما تقوم به؟ أم حدث شيء آخر؟

سألتها مجددا: ما الذي فعلته بالضبط؟

قالت: شتمت أستاذا كما أنها لم تكن تحضر المحاضرات بل كانت تجلس مع الفتيات في الكافيتيريا طوال الوقت.

نظرت إليها بحيرة: هذا مخجل حقا.

تابعت يومي دون التفكير في بدور وقابلت سارة من جديد في المطعم وأصبحنا نلتقي دائما حتى صرنا صديقات مقربات والحمدلله أنها ليست مثل بدور نهائيا بل هي أفضل منها بكثير

كنا ندرس معا ونلتقي في الحديقة الكبيرة بمدينتا عرفت كل شيء عن عائلتي وانا عرفت عائلتها أيضا فهي ابنة تاجر معروف وكانت تسافر كثيرا مع والديها واخوتها، لديها أخان راشد و جابر الذي يدرس في هندسة الطيران.

في يوم من الأيام وصلت للجامعة مبكرة جدا وجلست في الكافيتيريا فلم يكن لدي محاضرة صباحية رأيت مجموعة فتيات يضحكن بصوت عال ويغنين أيضا, لم أكن مكترثة لهن لكن تقدمت مني إحدى الفتيات وقالت: لم لا تأتين وتغنين معنا يا فتاة؟

قلت: لا أحب الغناء.

قالت: أترفضين طلبي؟

قلت: نعم أرفض.

قالت: لكننا نحب أن نسمع أصوات الفتيات هنا.

قلت: دعيني وشأني من فضلك ولتغنين أنتي كما يحلو لك

نادت عليها فتاة أخرى: سعاد ماذا تفعلين تعالي

سعاد: رفضت المجيء ماذا أفعل؟

تقدمت الأخرى منا وحين اقتربت قالت: لم لا تريدين المجئ؟

رفعت رأسي وقلت: أنا…

قاطعتني قائلة: أنتي ؟

قلت: أنتي هجير

تذكرتها جيدا فلم أنسى وجهها حين رفعت يديها لتضربني في المحل.

« Older entries