رمال من أمل 24

أخذني حديثه لمكان بعيد عدت منه حين أشار بيديه امام وجهي قائلا: هيي هل أنت هنا؟!

ابتسمت بخجل وقلت: المعذرة شردت قليلا، هل أنت ذاهب؟

حمل حقيبته وهو يقول: نعم علي الوصول للمنزل قبل انتصاف الليل.

ضممت يدي الى صدري وقلت: هل سترتاح هناك؟

راشد: لا تقلقي انه وضع مؤقت ولن يطول الأمر.

قلت بقلق: ماذا تعني؟

راشد: سوف تعرفين لاحقا، على كل حال سوف أمرك غدا مع سارة حتى نبحث عن جدتك، ولا تقلقي لن أخبر سارة عن معرفتنا المسبقة، سوف أقول شيئا آخر.

ابتسمت بفرح: حسنا، انتبه على نفسك، تصبح على خير.

غادر راشد وكنت لازلت غير مستوعبة لما يحدث، صدمتي بوجوده وشقته هذه جعلتني أشعر بمشاعر قوية وغريبة، رحت اتلمس كل شيء يخصه في تلك الغرفة حتى ملابسه المعلقة في الخزانة وعطوره وزجاجة الماء الموضوعة بجانب سريره، كل شيء أصبح أجمل في نظري، ما جعلني أنام بعمق وهدوء تام.

استيقظت فالصباح عند الساعة الثامنة والنصف، كان الجو صحوا وبه برودة خفيفة، اخذت حماما منعشا وارتديت قميصا طويلا ابيض مع تنورة خضراء، تناولت فطوري وجلست امام الشرفة في انتظار اي خبر من راشد، كنت متحمسة جدا لأعرف أي شيء عن جدتي، بعد نصف ساعة رن هاتفي وكانت سارة: صباح الخير يا أمل.

أجبت بحماس: صباح النور كيف حالك يا سارة.

سارة : أنا بخير وقادمة مع راشد لقد أخبرني عن لقاءكما بالأمس هههههههه

قلت بخجل: يا إلهي لقد خجلت حين رأيته يقف مصدوما في غرفته.

سارة: ههههههههههه نعم سوف تخبرينني أنت بالتفصيل لاحقا، هل أنت جاهزة الآن؟

أجبت: نعم نعم سوف أرتدي عباءتي، انا في انتظاركم.

أغلقت الهاتف و بعد لحظات قليلة كان راشد وسارة بانتظاري فالأسفل.

يتبع…

رمال من أمل 23

كان راشد يتجه ناحية المطبخ المفتوح على الصالة، تناول كأس ماء بارد، تقدمت نحوه وقلت: لماذا تبقى في هذه الشقة طالما انك تستطيع العيش في منزل والديك؟

وضع الكأس جانبا ثم ارتكز بيديه على الطاولة وقال: ذلك المنزل لم يعد كما كان قبل سنوات طويلة، توفيت امي عندما كان عمري خمسة عشر عاما وكنت الابن الوحيد لأبي، تزوج بعدها من السيدة ميساء لكي تساعده في تربيتي لكنها لم تحبني كثيرا بل كانت تمقت وجودي وتعاملني بجفاء حتى حملت وأنجبت جابر وسارة التوأم.

قلت: سارة لديها أخ توأم؟

تابع يقول: نعم انه يدرس في بريطانيا الآن، لقد غادرت المنزل عندما اكملت العشرون، طلبت من والدي أن أعيش بمفردي واستقل بحياتي بعيدا، رفض في البداية لكنه اقتنع عندما أخبرته أنني سوف أكون أكثر راحة هكذا، انفذ مشروعي وتأخذ ميساء راحتها فالمنزل.

شعرت بأن راشد وحيدا مثلي بالرغم ممن حوله، لكنني لم افهم لماذا يبدو مختلفا عمن كان عليه في حفل جاسم!

لاحظ شرودي وسألني: مابك؟

قلت بسرعة دون تفكير وبعصبية: لماذا كنت في حفل جاسم؟ كيف تكون صاحب شخصيتين في نفس الوقت؟

أراد أن يضحك بصوت عال لكنه اكتفى بابتسامة بائسة وقال: عندما بدأت في تنفيذ مشروعي تعرفت إلى أناس كثر من بينهم جاسم، كان يقيم هذه الحفلات باستمرار وكنت أحضر للتسلية، جميع من يحضر هناك يتسلى، كنت أرى جميع الفتيات هناك بشكل واحد لكنني حين رأيتك أنتي انتابني شعور غريب، فلم أرى ذلك الشبه بينك وبينهن أبدا.

قلت: كيف رأيتني اذا؟

تابع يقول: لم أرى فيك شغفهن لنيل رضى أي رجل، كنت تقفين بعيدة عن صخب الأحاديث وكؤوس الهوى، مظهرك ونظراتك يجمعهما خوف وحزن وترقب وندم أيضا.

أسرعت قائلة: رأيت كل ذلك بي؟

راشد: رأيت ما لم تفهمه بدور وجاسم ولا أي شخص آخر فالحفل، اقتربت منك لأتأكد مما أراه، خفت أن تخيبي ظني لكنك لم تفعلي، حتى أنك رقصتي معي بلا مبالاة، منذ ذلك اليوم تركت تلك الحفلات وقطعت اتصالي ب جاسم وبعد أن عدت لمنزلك سافرت أنا لأبتعد عن كل شيء وأعود بروح جديدة كليا.

يتبع …

رمال من أمل 22

حدقت به طويلا ثم نهضنا لنجلس في غرفة المعيشة: ماذا حدث لك يا أمل؟

كان سؤاله يحمل هدفا واحد وهو سبب وجودي في شقته، سرحت قليلا قبل ان اقول: هاجر أهلي وتركوني بمفردي هنا وقبل رحيلهم طلبوا مني أن أغادر المنزل وحينها لم أجد من ألجأ إليه سوى سارة التي تعرفت عليها فالجامعة وفتحت لي شقتك لأبقى بها.

راشد: كم هذا غريب، أنا لم أرى في حياة أهل يعاملون ابنتهم بهذه الطريقة ويرحلون تاركين اياها بمفردها!

سقطت دمعة حارقة على وجنتي قلت بها: لم يعد مهما ما فعلوه بي ورحيلهم ايضا، انا حزينة فقط لأنني لا أعرف شيئا عن جدتي.

راشد: أين ذهبت؟

تنهدت بقوة وقلت: قالوا لي بأنها سافرت ولا علم لي إلى أين أو متى تعود.

نهض راشد ووقف امام النافذة قائلا: ربما لم تسافر يا أمل.

وضعت يدي على صدري بخوف: هل تكون قد…

قاطعني قائلا: لم أقصد ذلك، بل قصدت بأنه قد تم نقلها لمكان آخر بعيد دون رغبة منها.

بدأت بالبكاء وانا اقول: إلى أين أخذوها، جدتي المسكينة ماذا فعلوا بك؟

اقترب مني راشد محاولا تهدئتي: اهدأي يا أمل وادع الله بأن تكون بخير، سوف نبحث عنها و سنجدها ان شاء الله.

مسحت دموعي وقلت: راشد…

اجاب: نعم تفضلي.

قلت بتردد: أشعر بالخجل ف هذه شقتك و …

راشد: و ماذا؟

تابعت: حسنا…علي أن أجد سكنا آخر لتستلم أنت شقتك وتبقى فيها…

قاطعني ضاحكا: كيف تقولين شيئا كهذا؟ يجب أن تبقي هنا، أنا لدي منزل أهلي وغرفتي موجودة سأذهب إليهم.

كنت خجلة جدا من أن ابقى وهو يرحل كما أن كثيرا من الأسئلة شغلتني أردت معرفة أجوبتها.

تابع…

رمال من أمل (11)

بقيت أبكي بحرقة حتى شعرت بأنني استنزفت كل دموعي ونهضت وأنا افكر بأنه لا يستحق دمعه واحدة لأنه خائن وكذب علي, غسلت وجهي ووقفت أمام خزانة ملابسي كان لدي الكثير من الملابس الفضفاضة والملونة لكنني شعرت بأنها لم تعد تلائمني

أخرجت تنورة رمادية وقميص وردي وارتديتها ولبست عبائتي وحجابي ووضعت القليل من الكحل وأحمر الخدود كنت برغم بساطتي أبدو جميلة ومرتبة, خرجت للصالة فوجدت أم فهد أمامي تقف هي وابنتها وأختها كانوا يهمون بالخروج

لكن أم فهد وقفت حين رأتني وقالت: كيف حالك يا أمل لم تأتي للسلام علينا هل هذه أصول؟

لم أرغب بالرد عليها لكنني قلت بجرأة: ولماذا أسلم عليكم هل هذا واجب أو أمر؟

قالت: إنها الأصول يا فتاة.

قلت بحدة: آآه أصول؟! الغريب أنك تتحدثين عن الأصول رغم أن ما فعلته معي أنتِ وابنك لا يمت للأصول بصلة.

كانت سترد علي لكنني قاطعتها قائلة: هذا لم يعد يهمني عموما  لكنني أحببت تذكيرك لا أكثر…علي الذهاب فلا وقت لدي أضيعه معكم.

لا أعرف كيف قلت تلك الكلمات حتى أن نظرات الدهشة بدت واضحة على امي وأختي سميرة التي قالت لها: هل هذه أختي امل؟ لقد بدأت أشك في ذلك.

شمس: آآآه دعك منها, المعذرة يا أم فهد على ما قالته ابنتي انت تعرفين أنا بلا عقل.

أم فهد: لا عليك دعينا لا نعكر مزاجنا بتوافه الأمور ولنبقى سعداء بزفاف أبناءنا.

شمس بابتسامة: نعم معك حق.

توجهت للسوق وكنت أبحث عن أرقى محلات الملابس دخلت محلات كثيرة آخرها كان محل راقي دخلته وكان لديهم ملابس جميلة ذات ألوان رائعة وقفت أختار بعض الملابس بعد أن رحبت بي العاملة وقدمت مساعدتها لي في انتقاء ما يناسبني

دخلت غرفة القياس الكبيرة وكان هناك مجموعة من الفتيات يتحدثن بصوت عالٍ التفتن لي حين دخلت وبيدي بعض الملابس’ نهضت إحداهن وهي تمشي كعارضات الأزياء بغرور وقالت: مرحبا.

قلت: أهلا بك.

قالت: هل جئتِ لقياس ملابسك؟

قلت: وماذا ترين أنتِ؟

قالت: حسنا الغرف ممتلئة انتظري حتى ننتهي من القياس.

قلت: لا أرى أحدا يقيس ملابس وبعض الغرف فارغة!

قالت: أنا قلت أنها ممتلئة وعليك الانتظار مفهوم؟

نظرت إليها بدهشة ولكن لم أهتم لما قالته ودخلت لإحدى غرف القياس وأغلقت الباب دون أن أتحدث معها لكنها شعرت بالغيظ وسمعتها تقول لزميلاتها: لقد سفهتني هل رأيتن ذلك؟

قالت واحدة منهن: دعكِ منها يا هجير لا تستحق الاهتمام.

هجير: لا لست أنا من أعامل هكذا ولا تنفذ أوامري يا ديم وأنتِ تعرفين من هي هجير سعد الـ….

ديم: ماذا ستفعلين؟

هجير: سأنتظرها إلى أن تخرج وأريها من أكون.

سمعت حديثها والابتسامة لم تفارق وجهي وبعد أن قست ملابسي خرجت من الغرفة وأنا أنظر لها هي وصديقاتها فتقدمت مني ورفعت يديها وهي تقول: لست أنا من أسفهُ وأعامل بهذه الطريقة.

كانت تريد ضربي فأمسكت يديها وقلت بابتسامة صغيرة: حسنا عرفت بأنك هجير ابنت سعد الـ …ولكن ليس هذا أسلوب لتقديم نفسك يا آنسة هجير ألم تتعلمي أن تقدمي نفسكِ بلباقة للآخرين؟

أنزلت يديها بغضب وقالت بغرور واضح: أنتِ ستعلمينني اللباقة؟! هه…هذا ما كان ينقصني.

قلت: الحمد لله انا لا أعمل معلمة فليس لدي الرغبة باستقبال طالبة مثلك…تذكري يا بان من تواضع لله رفعه.

كنت سأخرج فدخلت علينا فتاة تحمل الكثير من الثياب حدقت بها جيدا: إنها ابتسام…!

قالت جين رأتني: أوه أمل أنتِ هنا ماذا تفعلين؟

قلت: وماذا يفعل الناس في محل للملابس يا ابتسام؟

هزت رأسها بإعجاب وقالت: استغربت وجودك هنا يا أمل فأنا لم أعرف بأنك تشترين من هذه المحلات!

قالت هجير: هي ابتسام ألا تريننا نحن هنا.

ابتسام بمرح: هجير وصديقاتها مرحبا كيف حالكم؟

هجير: بخير…هل تعرفين هذه الفتاة؟

ابتسام: نعم.

وجهت ابتسام نظرها لي وقالت: لمَ غادرت بسرعة البارحة لقد بحثت عنك بدور ولم تجدك أين ذهبت؟

قلت وأنا أحمل أغراضي للخروج: لم يرق لي حفلكم  لقد أصبت بصداع بسبب الإزعاج.

ابتسام: أحقا! عموما لقد غضبت منك بدور كثيرا وقالت…

قاطعته قائلة: لا تهمني بدور ومن على شاكلتها يا ابتسام كان يوما وقد مر وانتهى لم يعد لي علاقة ببدور وأرجوا أن تخبريها بذلك إن رأيتها…عن إذنكم.

قالت هجير: هذه الفتاة غريبة جدا…لم أرى هذا النوع من قبل؟

ابتسام: لم تكن كذلك حين رأيتها بالأمس كان يبدو عليها الضعف.

هجر: غريب!

ابتسام: لمَ تهتمين لها؟

هجير: لا لست مهتمة.

 

يتبع…

رمال من أمل (10)

تركتها وعدت لغرفتي واستلقيت على سريري: ترى أين أنتي يا جدتي ولمَ سافرتِ؟

نمت نوما عميق حتى صباح اليوم التالي يوم السبت عند الساعة العاشرة, استيقظت على صوت أناس يتحدثون نظرت للساعة ثم للنافذة: من أتى في هذا الوقت؟

أخذت حماما باردا ومنعشا وبدلت ملابسي وارتديت حجابي وخرجت لأنظر من يزورنا في هذا الوقت؟!

قابلتني بيلين الخادمة التي استقدمتها أمي بالأمس كانت تحمل بعض العصير والكعك قلت لها: من يزورنا يا بيلين؟

بيلين: إنني لا أعرفهم يا آنستي…إنهما سيدتان وفتاة ومعهما رجل.

قلت: امممممم من يجلس معهم؟

بيلين: السيدة شمس والسيدة سميرة يا آنستي.

قلت: حسنا أحضري لي الفطور في غرفتي.

بيلين: حاضر آنستي.

توجهت ناحية المجلس حيث مصدر أصواتهم العالية وانحنيت برأسي دون أن يلاحظوني لكن التقت عيناي بعينيه, لقد كان يجلس مباشرة أمام باب المجلس, عدت للخلف وتجمعت الدموع بعيني فجأة وقلت بداخلي: كم أكره رؤيتك يا فهد…أكرهك ومجبرة على رؤيتك في منزلنا.

وقفت بيلين أمامي وقالت: الفطور جاهز في غرفتك يا آنستي.

كنت شاردة الذهن وعيناي تذرف الدموع بحرقة قالت مجددا: آنستي …آنستي؟

قلت وانا امسح دموعي: امم ماذا هل قلتِ شيئا بيلين؟

بيلين وهي تحدق بي بدهشة: كنت أقول بأن الفطور جاهز آنستي.

قلت: حسنا.

توجهت إلى غرفتي وجلست أمام الطاولة أحدق بالطعام…كنت أريد نسيان فهد ونظراته حين رآني بالقرب من الباب, تناولت أول لقمة ولم أقوى على ابتلاعها ثم ارتشفت القليل من الشاي , تساقطت دموعي بألم وكنت أحاول جاهدة أن أصمد لكن خارت قواي وانهرت فوق الكرسي .

 يتبع…

رمال من أمل (9)

سرقتنا الأحاديث ومر الوقت سريعا لم أدرك أن الساعة قد أصبحت الحادية عشرة مساء إلا حين قال راشد: هل نعود لمنزل جاسم؟

قلت: أوه كم الساعة الآن؟

قال: إنها الحادية عشرة يا أمل.

قلت: آآه  سرقنا الوقت وقد وعدت جدتي بأن لا أتأخر.

راشد: هل ستعودين للمنزل؟

قلت: بالتأكيد لا أريد أن توبخني جدتي.

راشد: حسنا سأوصلك لمنزلك.

ركبت معه سيارته الصغيرة وعدت لمنزلي دخلت وكان المنزل ساكنا ذهبت لغرفة جدتي لأخبرها بعودتي لكني لم أجدها, ناديتها: جدتي أين أنتِ؟

ناديت كثيرا لكن لم يجبني أحد, ترى اين ذهبت جدتي؟

وجدت سميرة تطل من غرفتها وتقول لي: هل عدت ايتها المزعجة؟ لمَ تصرخين هكذا؟

قلت: أين جدتي؟

أجابت: جدتك آآآه لقد سافرت.

قلت بدهشة: سافرت؟ متى وأين؟

قالت: لا أعرف دعيني أنام أنا احتاج للراحة كثيرا فموعد زفافي الخميس القادم.

تركتها ودخلت لغرفتي أبدل ملابسي وانا أفكر متى سافرت جدتي وإلى أين ذهبت تحديدا؟

استلقيت على السرير والأفكار تدور في رأسي, رؤية راشد وحديثنا معا وما تفعله بدور وسفر جدتي وزفاف أختي, الغريب في الأمر أنني لم ارَ والدي فالمنزل هل سافروا ايضا؟ أم أين ذهبوا في هذا الليل المظلم؟

اثناء تفكيري سمعت صوتا فخرجت مسرعة وقلت: جدتي هل عدت؟

كانت أمي تنظر إلي بنظرات قلقة وقالت: هل عدتِ من الخارج؟

قلت: نعم أين جدتي أليست معكما؟

قالت: لقد سافرت وذهبنا لنوصلها.

قلت: إلى أين سافرت ولمِ لم تنتظرني لأودعها على الأقل؟

قالت أمي بعصبية: لم تستطع انتظارك كان سفرها مفاجئ.

لم أتفوه بكلمة فتابعت أمي قائلة:

هيا اذهبي للنوم وكفاك تفكيرا بتلك العجوز.

قلت: إنها جدتي يا أمي.

قالت: أوه أنتِ حمقاء حقا…اسمعي ومن باب العلم بالشيء, زفاف اختك يوم الخميس القادم…اشترِ لك فستان مناسب فأنا لا اراك مهتمة بشيء أبدا.

قلت: أنا لن أحضر الزفاف…أنتِ تعلمين أنني…

قاطعتني قائلة: هذا افضل لتتزوج أختك بسلام, دون مشاكل.

 

يتبع…

رمال من أمل (8)

وقفت حائرة بعد أن قالت بدور جملتها وتركتني أمام بابة الصالة الكبيرة, كنت أنظر حولي وأفكر بالخروج من المكان لكن شيءٌ ما منعني وبعد لحظات خلعت عبائتي ومن ثم حجابي ووضعته على أكتافي

اقتربت الخادمة وقالت: أعطني إياهم يا آنستي.

مددت يدي بالعباءة فقالت: والحجاب.

قلت وأنا ألفه حول جسدي: لا أتركيه.

الخادمة: كما تريدين.

تقدمت من الباب لأدخل قابلني رجلٌ طويل وأسمر يرتدي بدلة رمادية, قال لي وبيده كأس يشرب منه : أوه يا لا الروعة هل أنتِ صديقة جاسم؟ أنا لم أرك من قبل.

نظرت إليه بقلق وعصبية: انا لست صديقة احد.

ضحك الرجل قائلا: ههههههههههههاه ولما أنت هنا إذن؟

قلت: جئت مع بدور.

قال: أهاااا بدور …هيا ادخلي ما بك؟

دخلت وبحثت عن مكان أجلس به, الكل كان يضحك ويتحدث حتى بدور كانت غارقة فالضحك ومن ثم بدأت الموسيقى الصاخبة من جديد وبدأ الكل يرقص بحماس, اقترب مني ذلك الرجل الذي حدثني وقال: هل ترقصين معي؟

قلت: أرقص؟ هذا مستحيل.

قال: لماذا؟ الكل يرقص…هيا تعالي أنتٍ تثيرين فضولي.

جذبني من يدي وقال: تعالي هيا سوف ترتاحين معي أنا متأكد.

وقفت أمامه لا أعرف ماذا أفعل بدأ يتمايل مع أنغام الموسيقى وأنا أمامه كالبلهاء قال: هات يدك ووضع هو يده على خصري ثم تمايلنا معا وبدأت دموعي فالتساقط بصمت

رائحة عطره جذابة لكنني لم أقف مع رجلٍ من قبل والآن أرقص مع هذا الغريب الذي حتى لم يفصح عن اسمه, حدق بي وتوقف فجأة عن الرقص قال: ما الأمر لما تبكين هل ضايقتك؟

لم أجبه بل كنت غارقة في دموعي وتركته مغادرة للخارج لكنه لحقني قال: أين تذهبين؟ تعالي يا فتاة أخبريني ما بك؟

قلت: ماذا تريد مني أنا لا أعرفك؟

قال: ههههههههاه سوف تعرفينني لاحقا.

قلت: ليس هناك ما يضحك…أنا لا أعرف كيف وافقت بدور على المجيء إلى هنا!

قال: أنت غريبة حقا.

قلت: نعم غريبة فأنا لست مثل كل تلك الفتيات بالداخل.

قال: كلكن تقلن ذلك في البداية هههههههههههههههاه.

قلت: لا أنا لست مثلهن.

قال: لما جئت إلى هنا إذن؟

قلت: بدور هي السبب توقعت أنها صديقتي الحميمة لم أدرك أنها هكذا وتخطط لتدميري وتحويلي لأنثى ساقطة.

قال وهو ينظر إلي بحيرة: ما رأيك أن نخرج من هنا؟

قلت بدهشة: إلى أين؟

قال: سنذهب للشاطئ هل يضايقك ذلك؟

قلت: لا لكن لم نذهب للشاطئ؟

قال: أريد أن تحدثيني عنك وعن السبب الذي أتى بك إلى هنا.

قلت: موافقة لكن لم أعرف اسمك.

قال: اسمي راشد, وأنتِ؟

قلت: انا أمل.

ذهبت معه للشاطئ وجلسنا هناك بعيدا عن صخب الموسيقى والرقص وحكيت له عن بدور وجاسم وكيف عرفته عن طريقها, وعن عائلتي الصغيرة وإهمال والدي لي.

قال لي: بدور فتاة لعوبة عرفتها عن طريق جاسم وفتياته كانت تزور جاسم في منزله هي وابتسام.

قلت: ابتسام؟ أليست هي صاحبة يوم الميلاد الليلة؟

قال بدهشة: يوم ميلاد؟

قلت: نعم قال جاسم أنه يوم ميلاد ابتسام أخته.

ضحك ساخرا: هه ابتسام أخت جاسم؟ هههههههههههاه كم أنت طيبة يأ أمل.

قلت: لماذا تقول ذلك؟

راشد: ابتسام ليست أخت جاسم والحفل لم يكن يوم ميلاد أحد إنه حفل عادي يقيمه جاسم كل أسبوع في منزله بدون مناسبة يجتمع فيه كل اصدقاءه للرقص واللعب.

قلت بدهشة: كذبوا علي؟ لماذا؟

راشد: لابد أنها إحدى خطط جاسم مع بدور للإيقاع بك يا أمل.

تساقطت دموعي بغزارة وقلت: لماذا يوقع بي ما هدفه؟ ولم بدور تشاركه في ذلك لماذا؟

راشد: لا أعرف لكن من المؤكد أن هناك سبب دفعهما لذلك وستعرفينه يوما.

 

يتبع…

رمال من أمل (7)

بعد أن أغلقت الهاتف بقيت أفكر… كيف أذهب لحفل أناس لا أعرفهم وبأي صفة

إن بدور تورطني في مشاكل كثيرة دائما لكنها صديقتي على كل حال…ولا يمكنني تركها

ماذا سأقول لجدتي؟ فأنا لم أعتد الذهاب لحفلات أو لأي مكان آخر…كنت حائرة جدا لكن فالنهاية قررت أن أخبرها وخرجت من غرفتي ويداي مشبوكتان ببعضهما وقلت: جدتي.

أجابت: نعم يا ابنتي ماذا تريدين؟

جلست بجانبها وقلت: إحدى صديقاتي بالجامعة ستقيم حفل ليوم ميلادها وقد دعتني أنا وبدور للذهاب ما رأيك؟

الجدة: حفل؟ حسنا الرأي رأي والديك يا حبيبتي فلمَ لا تخبريهم؟ يجب أن يعرفوا.

قلت: وما الفائدة فحتى لو أخبرتهم فهو شيء لا يهمهم…أنا أريد موافقتك أنت يا جدتي.

الجدة: أنا لن أحرمك من الذهاب والاستمتاع بحفل صديقتك لذلك يمكنك الذهاب لكن متى هذا الحفل؟

قلت: غدا مساءا يا جدتي.

الجدة: اذهبي ولا تتأخري.

قلت: بالتأكيد.

دخلت غرفتي وقلبت كثيرا في الخزانة…أنا لم أذهب للسوق منذ فترة لشراء ثوب جديد أو ما شابه…وجدت فستانا أحمر طويل وناعم جدا لم ارتده ولا مرة ومع حذاء مناسب وبعض الاكسسوارات.

حسنا هذا ما يناسبني…وصعته جانبا حتى موعد الحفل حين وصلت بدور وخرجت لملاقاتها ظننتها أتت بمفردها لكنني وجدتها مع جاسم تلوح لي من نافذة السيارة…تنهدت وقلت في نفسي: جاسم جاسم أليس لديه ما يقوم به؟ إنه غريبٌ حقا!

ركبت السيارة وقلت: السلام عليكم

جاسم وبدور: وعليكم السلام

جاسم: أهلا أمل لم أتوقع مجيئك ظننتك سترفضين.

أمل: فالواقع لم أكن اريد المجيء لكن بدور ألحت علي لذلك وافقت…حسنا مبارك لأختك يوم ميلادها.

جاسم: أختي آآ نعم هههههههههه شكرا لك.

انطلقنا بسرعة حتى وصلنا لحي راقي ووقفنا أمام فيلا ضخمة وجميلة, دخلنا للفيلا حيث استقبلنا رجلٌ عريض وضخم البنية وقال: اهلا سيدي تفضل الكل بانتظارك.

جاسم: حسنا يا مصلح إذهب وناد لي ابتسام بسرعة.

مصلح: أمرك سيد جاسم.

وصلت ابتسام تلك الفتاة الطويلة تبدو رقيقة لكنها ذات جمال عادي وقفت بجانب جاسم وهي تحتضن يديه وقالت: أهلا جاسم وبدور.

جاسم: أهلا بك ابتسام.

ابتسام: أوه من هذه الفتاة لم ارها من قبل؟

جاسم: هذه أمل لقد أخبرتك عنها هل نسيتِ؟

ابتسام: أوه تذكرت أهلا أمل.

مدت يديها وصافحتني بغرور ثم قال جاسم: هذه ابتسام أختي يا أمل.

قلت: أهلا بك ويوم ميلاد سعيد.

ابتسام: ميلاد؟ آآآآه نعم نعم شكرا لك يا أمل هيا تفضلوا للداخل.

تفاجئت بـ بدور تخلع عباءتها وحجابها وتسلمها للخادمة, الحفل كان مختلط فكيف سمحت لنفسها بذلك؟ قالت ابتسام: هي أمل هل ستدخلين بهذا المنظر.

حدقت بنفسي وقلت: ما به منظري ألا يعجبك؟

ابتسام: إخلعي عباءتك نحن لا نحبها هنا.

قلت: لا أفهم!

ابتسام: بدور ألم تخبريها ما يجب عليها فعله؟ لن تدخل هكذا.

أخذتني بدور بعيدا وقالت: أمل لقد أحرجتني…هيا اخلعي عباءتك.

قلت: لا لن أفعل كيف أخلعها أمام كل هؤلاء الرجال هل انت مجنونة؟

بدور: يا إلهي أنت حقا غريبة الأطوار, متى تتعلمين الحرية؟ من سيراك هنا أو يعرفك هيا اخلعي العباءة بسرعة.

 

يتبع…

رمال من أمل (6)

جلست أمام جدتي على المائدة ولم آكل شيئا بل كان كل تفكيري بما يحدث معي وما فعلته اليوم, ما الذي يدفعني للركوب مع شخص غريب بكل سهولة؟

لاحظت جدتي أنني شاردة الذهن وقالت: لمَ لا تأكلين يا أمل ما بك؟

قلت: هاااه لا يا جدتي إنني آكل لكن…لا أشعر بالجوع كثيرا لقد أكلت كعكة دسمة بالجامعة وأشعر بأن معدتي ثقيلة.

تنهدت الجدة وقالت: هل تعلمين يا أمل لو كنت مثل أمك وأختك لبقيت وحيدة في هذا العالم…حتى والدك الذي حسبته رجل صالح لم يأتي يوما ويسألني إن كنت أحتاج لشيء أو يسألني كيف حالك بل يمر من أمامي وكأنه لم يرني.

نهضت وقبلت جدتي قائلة: جدتي لا تهتمي فأنا لن أكون يوما مثلهم وسأبقى بقربك ما استطعت.

كانت هذه الكلمات كافية لتبتسم جدتي, لكن قاطعنا وصول أبي للمنزل دخل وهو ينظر للمائدة بكل عصبية ثم تذوق شيئا من الطعام وقال: طعامكم بارد جدا هفففف.

قالت جدتي بحزم: ومنذ متى تأكل فالمنزل لتبدي رأيك بالطعام؟ أنت لم تجلس يوما على المائدة سوى مرة واحدة حين اشتريتها قبل أن يصبح لديك مالا ومركزا.

لم يجب ابي بل توجه  لغرفته واغلق الباب بقوة خلفه.

ربتت على جدتي ثم ذهبت لغسل يدي وجلست بين كتبي ودفاتري أنهي البحث الذي طلبه الأستاذ اتصلت بدور علي وقالت:

مرحبا أمل كيف حالك؟

أجبت: بخير يا بدور.

بدور: أمل هناك حفل سيقيمه جـ السيد جاسم في منزله بمناسبة يوم ميلاد أخته وقد دعانا أنا وأنت للحفل ما رأيك هل ستأتين؟

قلت: جاسم مرة أخرى وحفل ميلاد؟

بدور: نعم يا أمل تعالي معي لا أريد الذهاب بمفردي.

قلت: لا يا بدور أنا لا اعرفهم حتى أذهب ماذا سيقول الناس حين يروني؟

بدور: أمل أنت لن تتغيري أبدا, لن يتحدث عنك أحد لأنهم يعرفون بأنك صديقتي.

قلت: وكيف عرفوا ذلك؟ هل أصبحت محور حديثك للناس يا بدور؟

بدور: آآآ لا أمل… حسنا أعطني جوابا الآن هل ستأتين معي أم لا؟ صدقيني سيكون حفل جميل.

أجبت: دعيني أفكر.

بدور: الأمر لا يحتاج لتفكير… وافقي هيا.

قلت: حسنا سوف آتي معك وأجلس قليلا لكن سأخبر جدتي مسبقا.

بدور: كما تريدين المهم أن تأتي…وداعا

أغلقت الهاتف والتفتت لدروسي.

وفي منزل بدور:

كانت تتحدث على الهاتف:

ألو جاسم

جاسم: أهلا بدور…هل تحدثتي مع صديقتك تلك؟

بدور: نعم نعم ولقد وافقت على المجيء.

جاسم: هذا ممتاز.

بدور: لا تنسى الثمن.

جاسم: بالتأكيد…متى أراك؟

بدور: سأذهب للسوق بعد قليل تعال إلى هناك إن كنت ترغب.

جاسم: أراك هناك إذن.

 

يتبع…

رمال من أمل (3)

مر وقت طويل تحدث فيه الأستاذ عن أشياء كثيرة لم أكن أنصت له لكني على الأقل دونت عنوان البحث الذي طلبه ثم خرجنا من القاعة كان يلتف حول رقبتي حبل تأنيب الضمير والخوف…هل رآني أحد وأنا أصعد السيارة؟

جارتنا أم سلمان مثلا؟ أو…ربما رآني خلدون عامل البقالة؟ قاطع تفكير صوت بدور وهي تقول: أمل…أمل…

قلت: ماذا؟

بدور: هل لازلت غاضبة؟

قلت: بدور أنت تعلمين أنني فتاة محافظة و…

قاطعتني مرة أخرى قائلة: أعرف أنك فتاة محافظة ولا تقومين بشيء خطأ وأن ركوبك مع رجل غريب خطأ وأن لديك مبادئ كثيرة لو تخليتي عن البعض منها لأصبحنا بخير.

قلت: ماذا تقصدين؟

بدور: أمل نحن لسنا صغارا والحياة مسرح تجارب عليكِ أن تجربي كل شيء لتصبحي ناضجة, كيف ستتزوجين إن لم يراك الناس أو تتفاعلين مع المجتمع؟

تابعت قائلة: لديك الكثير من المقومات لإغراء اي رجل والزواج والعيش بسعادة ألا تتمنين ذلك؟

قلت: كل فتاة تحلم بذلك يا بدور لكن هل يتم هذا بالطريقة التي تقولين عنها؟

بدور: لن يتم بأي طريقة أخرى يا أمل لذلك فكري جيدا على الأقل بتغيير مظهرك.

تفحصت نفسي جيدا كنت أبدو عادية جدا ومظهري لائق لكن ما الذي يمكن اغيره فيه؟!

قالت بدور: ملابسك فضفاضة جدا وغير ملائمة لك وكأنك ترتدين ملابس جدتك…عليك ارتداء شيء أجمل من هذا.

قلت: بدور مظهري يبدو جيدا كيف يمكن أن أغيره هل تريدين مني خلع عباءتي مثلا؟

بدور: لا…ولكن ارتدي على الأقل حجاب مطرز أو عباءة تحمل القليل من الألوان الزاهية واكسسوارات شيء  من هذا القبيل.

نظرت لنفسي مرة اخرى وبدأت الافكار تدور في رأسي…هل سأبدو جميلة لو فعلت ذلك؟…لاحت سميرة في رأسي فهي ترتدي عباءة بألوان مختلفة وتطريزات لامعة وتشتري حقائب باهضة …هل هذا ما أعجب فهد؟

آه كم هو متعب تذكرهما معا …جلست مع بدور فالكافيتيريا وطلبت فنجان شاي كي أبتعد عن أفكاري ويهدأ بالي ولكن لازالت بدور تطرح أفكارها علي من يمين وشمال.

 

يتبع…

« Older entries