رمال من أمل 26

قبلت يد جدتي ورأسها، كانت تبكي بألم وتقول لي: اشتقت إليكيا صغيرتي.

خرجن جميع النساء من الغرفة وبقيت معها وحدي: كيف حدث هذا؟ لماذا وضعوك في الدار يا جدتي؟

تنهدت جدتي ومسحت دموعها قائلة: عندما خرجت من المنزل جاءت والدتك وقالت لي بأنها لم تعد تتحمل دلالي الزائد لك، وأنه كان من المفترض أن أطلب منك تقبل زواج اختك وتهنئتها، لم أجبها سوى بجملة واحدة لم تعجبها: كان عليك انت تربيتها وتعليمها فهي ابنتك.

كنت استمع اليها وقلبي يحترق وتابعت هي تقول: عندما لم تتحمل كلامي نادت للعاملة وطلبت إليها حزم امتعتي، سألتها عن ما تفعله لكنها تجاهلتني، ولم أجد سوى أباك ينظر إلي بصمت ويشير للخادمة أن تساعدني على النهوض، تركوني هنا في هذه الدار ورحلوا حتى أنهم لم يخبروا أحدا من أهل الدار عني بل أدخلني عامل النظافة جزاه الله خيرا.

قبلت يديها وقلت لها: لن تبقي هنا يا جدتي، سوف تأتين معي.

اشاحت بوجهها قائلة: لا لن أعود لذلك المنزل.

قلت بأسى: لم يعد هناك منزل.

حدقت بي وكأنها كانت تنتظر سماع شيء آخر غير ذلك، شدت على يدي وقالت: ماذا حدث؟

حاولت جاهدة منع نفسي من البكاء وأجبتها: لقد هاجروا وطردوني من المنزل والآن أنا أسكن في بيت شقيق صديقتي.

طرق راشد الباب ودخل مع سارة: السلام عليك يا جدة نورة.

رفعت بصرها إليهم مبتسمة: أهلا وسهلا يا ابنائي.

سارة: نعتذر لقطع حديثكن، لكننا اشتقنا لرؤيتك بسب حديث أمل اللطيف عنك، انها تحبك كثيرا.

نورة: وانا احبها ايضا ف لم يبق لي احد يحنو علي سواها.

أمل: هذه سارة يا جدتي وهذا أخوها راشد.

نورة: تشرفت بكما وأشكركما أيضا على ايواء ابنتي.

راشد: لا داعي للشكر يا جدة انه واجبنا، كما أن أمل تستحق كل الخير.

ألقت جدتي نظرة علي وعلى راشد وابتسمت بخفة، ثم قال راشد: حسنا يا جدة سوف أطلب منهم حزم حقيبتك و…

قاطعته قائلة: إلى أين سأذهب ليس هناك مكان لي أنا وأمل، يفترض أن تبقى معي إن أمكن.

راشد: غير معقول هذا المكان ليس لكما، أمل موجودة في شقتي وانا مع عائلتي فالمنزل سوف تبقين معها، وان كان لك رغبة في شيء آخر أنا في الخدمة.

يتبع…

رمال من أمل 25

بعد خروجي مع راشد وسارة قام بالاتصال بمعارفه في المطار ليسأل عن جدتي واعطاهم بياناتها لكنهم أخبروه بأنه لا يوجد أحد قد سافر بهذا الاسم.

تمتمت: اه يا جدتي نورة أين أنتي؟

راشد: لا تتشائمي سريعا يا أمل ربما كانت عند أحد معارفكم هنا.

قلت: لا يوجد لنا معارف هنا، كل من نعرفهم في مدينة أخرى وليس لنا صلة بهم.

سارة: سوف نجدها بإذن الله.

واصلنا البحث في كل مكان، لم يخطر ببالنا أبدا أنه يمكن أن تكون في دار مسنين، قال راشد بتردد: عفوا أمل لدي ما أقوله لكن أرجوا أن لا يزعجك.

مسحت دمعة سقطت على خدي وقلت: تفضل ولا تقلق.

راشد: بعد ترك والديك لك بهذه الطريقة، اعتقد انهم فعلوا نفس الشيء مع جدتك، ولكن لكونها مسنة ف اظن انهم وضعوها في دار للمسنين.

شهقت بقوة: دار؟! جدتي العزيزة يالتعاستك.

سارة: ارجوك يا أمل اهدأي.

راشد: لا يوجد هنا سوى دار واحدة للمسنين سوف نذهب إليها.

دعوت الله ان نجد جدتي بخير فهي رغم كل ما مرت به كانت قوية دائما وتحثني على ذلك، حين وصلنا للدار بدأ قلبي يخفق بشدة شعرت بأن رائحة جدتي تهب من أمام باب الدار.

امسكت بسارة وكنت مترددة بالدخول، قالت لي: تماسكي يا أمل من فضلك.

دخلنا متجهين ناحية ركن الاستقبال، لا أحد فالحديقة فالجو كان حارا قليلا، استقبلتنا سيدة تدعى هدية: أهلا بكم هل جئتم لزيارة أحد المسنين هنا؟

راشد: جئنا للسؤال عن سيدة مسنة نعتقد انها موجودة هنا.

هدية: ما اسمها.

أجبت أنا: اسمها نورة بنت عبدالرحمن ال… هل هي هنا.

ابتسمت هدية بحنان: أه الجدة الطيبة نورة كم أحبها.

راشد بقلة صبر: هل هي هنا؟

هدية: نعم.

قالت تلك الكلمة ثم صرخت: كيف تتركونها هنا دون السؤال عنها هذا عيب…

قاطعها راشد: من فضلك دلينا على مكانها بسرعة، وبعدها يمكنك مناقشتنا.

وصلنا لإحدى الغرف الكبيرة كان بها مجموعة من النساء يضحكن بصوت عال، تقدمت بخطوات مترددة وألقيت نظرة للداخل، رأيت جدتي كانت منهمكة في حديث شجي، كانت تحكي لهم قصة كررتها على مسامعي كثيرا وصلت الى الجملة التي أحبها ثم أكملت عنها: انهم مثل العصافير يهاجرون من مكان لآخر لكن العصافير لطيفة.

ساد صمت قصير، رفعت جدتي رأسها تبحث عن مصدر الصوت، لم امهلها لتكمل البحث، اسرعت والقيت رأسي بين يديها وجهشت بالبكاء: سامحيني يا جدتي لم أبق معك لأمنعهم…

ربتت على رأسي بحنان وكن النساء قد بدأن بالبكاء أيضا، وكأنني ايقظت شعورا حزينا آخر بهم، قالت إحداهن: ليت ابنتي رحومة مثلك، هداها الله.

 

رمال من أمل 21

لم أشعر بأنني غفوت على الكرسي وبحوزتي الدفتر الصغير وبقيت على هذا الحال حتى الساعة العاشرة مساء, كنت أتألم بسبب نومي على الكرسي فأخذت حماما دافئا واستلقيت في غرفتي.

صادفت الكثير من المشاكل بالجامعة وخصوصا تعرضات هجير المستمرة لي ومحاولتها ادخالي لمجموعتها السيئة لكنني لم استسلم لها ابدا بل صبرت حتى طردت من الجامعة مثل بدور

شعرت بالراحة النفسية بعد هذا كله ومر على وجودي بالمنزل 3 اشهر مليئة بالمرح والمغامرات الأخرى مع سارة, صادفت سميرة في أحد المرات لكنني لم أحدثها طويلا بل كل ما دار بيننا هو سؤال عن الحال فقط وأبلغتني بأنها ستهاجر لفرنسا مثلما فعل والداي بهجرتهما

لم أشعر بالحزن نهائيا ولا أعرف لما تبلدت مشاعري من ناحيتهم, وكأنني بدأت أنساهم.

في الشقة:

ما هذه الأشياء في شقتي؟ ملابس نسائية في خزانتي وعطر ومكياج! ما هذا كله؟ وكما أن هناك من يستعمل فراشي وأدواتي

هل قاموا بتأجير شقتي لأحد ما؟

عدت للشقة وفتحت الباب وفاجئني وجود حقيبة ومعطف رجالي على الكرسي: يا إلهي من هنا؟

كنت خائفة جدا وضعت أغراضي بجانب المعطف ومشيت بخطوات حذرة نحو غرفة النوم سمعت صوت أحدهم: لا أحد يجيب على الهاتف أين ذهبوا؟ وكما أنني لا أجد تفسيرا لما يحدث هنا.

اقتربت من مصدر الصوت أكثر وكانت نبضات قلبي تتسارع وتزداد قوتها, نظرت من خلف الباب وحاولت معرفة من الموجود بالداخل لكنني لم أرى سوى ظهره فقط

سمعت صوته مرة أخرى: أووووه فليجب أحدهم على الهاتف.

كان هذا الصوت مألوفا لي إنه يشبه صوت راشد كثيرا, لكنني خلت انني أتوهم فقط ,تقدمت من الباب أكثر وقلت بحذر وتردد: من بالداخل؟

لم أسمع إجابة سريعة وبقيت منتظرة.

قال هو: هذا صوت فتاة! إنني أعرف هذا الصوت سمعته كثيرا ولم أنسه, لم يغب عني أبدا…لا ربما أنا أحلم…

كررت سؤالي: من بالداخل أجبني من أنت؟

لم أسمع إجابة أيضا, تابعت النداء: أرجوك إن كنت لصا فغادر المكان ولا تؤذني, لا أريد أن أتسبب في المشاكل مع صاحب المنزل وإن كنت شخصا آخر فاخرج وحدثني

تساقطت دموعي خوفا فجلست على الأرض مقابل الباب: وكنت أردد أرجوك أخرج من الغرفة…لما لا تجيبني؟

خرج من الغرفة وحدق بي كثيرا وهو يردد بداخله: أمل…أمل حبيبتي…نعم أنتي هي.

تقدم مني وانحنى على الأرض ورفع وجهي بيديه: مازلت كما أنتي تبكين حين تواجهين مشكلة.

قلت بارتباك: راشد…أنت راشد أليس كذلك, قل أنني لا أحلم ….أرجوك أنا خائفة فالمنزل ليس لي أنا هنا فقط…

وضع يديه على فمي وقاطعني قائلا: كفي عن البكاء يا أمل واهدأي ما من داع لكل هذا الخوف.

قلت وأنا أحاول مسح دموعي: فاجئني وجودك كما أنني لا اعرف كيف ولماذا أنت هنا هذا المنزل لشخص اسمه راشد أيضا…

ضحك قائلا: هههههههههههههه وإلى الآن لم تدركي من هو راشد؟!

قلت بدهشة: أنت راشد صاحب المنزل حقا!

راشد: نعم يا أمل أنا صاحبه.

قلت: كيف لم أدرك ذلك…كل شيء هنا كان يذكرني بك ويشعرني بوجودك حولي…حتى سارة ملامحها وتصرفاتها كانت تشعرني بقربك مني …لهذا لم اقوى على نسيانك وعدم التفكير بك…

راشد: أحقا حاولتي نسياني يا فتاة؟!

تنبهت لكلامي الذي قلته له وخجلت جدا لكنني قلت: آسفة لا اعرف كيف نطقت بتلك الكلمات.

راشد بابتسامة: لم تحاولين الهرب من مشاعرك؟ لما تزيدين من حيرتي يا أمل؟

رفعت وجهي وقلت: أنا…امممم ماذا تقصد بكلامك؟

راشد: ألا تحبينني كما أحبك؟

فتحت فمي لكنني لم أنطق بكلمة واحدة فقد فاجئني ما قاله هو يحبني أيضا؟ يحبني كما أحببته؟

رمال من أمل 20

مرت أيام كثيرة اعتدت فيها على المنزل وبدأت أتعلق بكل شيء فيه حتى أصغر الأشياء هناك فقط غرفة واحدة صغيرة لم أدخلها كثيرا كانت عبارة عن مكتب خاص بصاحب المنزل بها رفوف تحوي مجموعة كتب وطاولة مكتب منظمة عليها بعض الاوراق والملفات, دفعني فضولي لتفحص كل شيء فيها فجلست على الكرسي أطالع بعض الأوراق: هذا ملف خاص بالعمل وهذه رواية بوليسية امممم…ما هذا الدفتر يا ترى؟

فتحته وبدأت بالقراءة, ربما ليس من حقي فعل ذلك لكن جذبني هذا الدفتر وقرأت السطر الأول من الورقة الأولى:

بعض الأشياء لا تبدو جميلة كما نراها في الواقع

ربما تكون سيئة من الداخل ونحن غير مدركين

هكذا صداقتنا مع من حولنا يجب أن يشملها الحذر

فليس كل من يبتسم لنا أو يحدثنا بكلام جميل

يكن لنا الخير.

كانت كلمات جميلة تعبر عن حالتي….تذكرت بدور انها تمثل تلك العبارات تماما…تابعت القراءة حتى وصلت لآخر ورقة كتبت وقد دون فيها عبارات غريبة:

أنتي معي في كل لحظة

احترت بكِ كثيرا حين عرفتك

جذبني صمتك وخجلك

وتلك الدموع التي لم أصدقها

إلا حين ضممتك إلي بقوة

لم تكتمل تلك الكلمات لكنها نفذت لقلبي بسرعة وحركت مشاعري حتى أنني ضممت الدفتر لقلبي وسقطت دموعي دون أن أنتبه.

رمال من أمل 19

بدأت بجمع أغراضي للسكن في تلك الشقة التي ذهبت لرؤيتها مع سارة قبل الانتقال البها, كان كل شيء بها مرتب ونظيف ورغم خجلي وعدم استيعابي لفكرة العيش في شقة رجل إلا أن كل شيء في هذه الشقة الصغيرة كان يجذبني بقوة

كنت أشعر مع كل خطوة أخطوها فيه بمشاعر متأججه ودفء لم أشعر به من قبل, دخلت الغرفة التي سأنام فيها كانت ذات رائحة جميلة ومنظر فخم جدا, قالت لي سارة:

ليست غرفة بناتية كما ترين إلا أنها كلاسيكية وهادئة كما يحبها أخي راشد تماما.

كلما ذكرت اسم راشد تتسارع نبضات قلبي, وتهتز مشاعري إلا أنني أتدارك الأمر قبل أن تشعر سارة بشيء: حسنا إنها رائعة جدا يا سارة وهي تعجبني.

سارة: جيد لن تشعري بالغربة هنا إذن…سوف أتركك لتأخذي راحتك بالمنزل وإن احتجت لأي شيء لا تترددي بطلبي.

قلت: أشكرك سارة أنتي صديقة رائعة حقا.

ضمتني بقوة وقالت: نحن أخوات عزيزتي وسأكون سعيدة طالما أنتي سعيدة أيضا…حسنا ستجدين كل ما تحتاجينه هنا من طعام وشراب وأغراض أخرى…أتمنى أن تستمتعي بالمكان…وداعا.

ودعتها وبدأت بتفقد المكان بدقة تبدو شقة هادئة جدا, كما أنها في حي راقي أيضا…دخلت لغرفة النوم الواسعة والكبيرة توجد بعض العطور الرجالية على التسريحة وبعض الكريمات وأدوات أخرى

وعلى الطرف الآخر توجد كراسي متقاربة من بعضها وأمامهما طاولة صغيرة , كنت قد رتبت أغراضي بالخزانة  وذهبت للمطبخ الصغير لتناول بعض الطعام:

حسنا ماذا يوجد هنا؟…خبز وجبن وخضروات ومشروبات باردة ومنعشة …امممممم كل الأطعمة شهية, كنت أبحث عن أفضل شيء يمكنني تناوله مساءا, لفت نظري لوحة صغيرة معلقة على الجدار بها استكرات وقوائم

حدقت بها: خبز بيض وزبدة وشاي …على ورقة أخرى موعد مقابلة الصحفي: 2/10/ 2010م… وأشياء أخرى لم أقرأها.

ابتسمت لترتيب هذا الرجل يبدو لي بأنه منظم جدا, قمت بتناول بعض الطعام الخفيف وخلدت للنوم

رمال من أمل 18

استندت بجسدها إلى الطاولة وقالت: كنت واثقة من أننا سنلتقي مجددا…وها قد حدث.

قلت: وهل كنتي تنتظرين هذا اليوم حقا؟

أجابت: نعم وقد جاء دون تأخير…في المرة الماضية لم تسمعي كلامي حين منعتك من دخول غرفة القياس وها أنتي تكررين نفس الشيء وترفضين الغناء معنا…

قاطعتها قائلة: وفيم يهمك رفضي او موافقتي؟ هل تتوقعين مني الرضوخ لأوامرك مثل الاخريات؟

هجير: أتوقع منك الكثير يا حلوة فأنا لا يرفض لي طلب أبدا وكل ما أريده ينفذ فالحال…لذلك سوف تنهضين معي وتغنين مثلما فعلن الأخريات من دون نقاش.

قلت بدون اكتراث لكلامها: لدي محاضرة الآن … اذهبي وتابعي غناءك بنفسك ربما ينتهي العرض ولم تنالي حصتك من المديح والمجاملة.

مشيت بخطوات سريعة حتى لا أتأخر لكنها لحقتني وجذبتني بيديها القويتان وقالت: من تظنين نفسك لتتكلمي معي بهذه الطريقة؟

قلت بعصبية: أنتي مزعجة حقا! وإن لم تكفي عن ملاحقتي سوف أبلغ إدارة الجامعة بتصرفاتك وتكونين عبرة لمن لم يعتبر.

هجير: تهددينني إذن؟! هذا جيد …

قاطعتها: أرجوا أن لا تعيدي علي اسطوانتك القديمة فلا يهمني من تكونين ولا تهمني عائلتك كلها.

انصرفت دون توقف ابدا حتى وصلت لبوابة الجامعة…كنت منزعجة جدا وحاولت تهدأت نفسي وخرجت بعدها دون حضور آخر محاضرة.

حين عدت للمنزل وجدت بعض الحقائب أمام الباب, تسمرت في مكاني وقلت: هل عادت سميرة بهذه السرعة؟ او ربما عادت جدتي!

فتحت الباب بسرعة ودخلت وكان أبي يقف في الردهة وبيده سيقار ينفثه بقوة قلت: هل عادت جدتي؟

ضحك ابي بصوت عالٍ وقال: أي جدة يا فتاة؟ ههههههههههه ألازلت تفكرين بها؟

قلت بحزن: حقائب من إذن هذه؟

قال: أنا وأمك سنسافر لبريطانيا بعد قليل.

جلست بخذلان على الكرسي الموجود أمامه وقلت: ستتركانني هنا بمفردي إذن…

قاطعني قائلا: سنغيب لفترة طويلة قد تمتد لعام بسبب أعمالي الحالية وسوف أقوم بتأجير هذا المنزل لذا وضعت لك بعض النقود في غرفتك تكفيك للحصول على سكن بالجامعة أو أي مكان آخر تريدينه.

انهرت باكية بعد سماعي لكلماته: ألا تشعران بي؟ ألا أهمكما أبدا كل ما تفكران به هو مشاريعكما وأعمالكما الأخرى وسميرة و…

قاطعني منزعجا: توقفي عن الصراخ يا فتاة لا أريد سماع أي نقاش أو تذمر …المال في غرفتك ولديك يومان فقط لترك المنزل لأن المستأجر سيأتي خلال ايام قليلة…

خرجت والدتي من غرفتها وهي تنظر إلي دون اهتمام وقالت: هيا بنا تأخر الوقت يا عزيزي….أرجوا أن تنفذي كلام أبيك بسرعة…وداعا.

حاولت استيعاب ما حدث كله لكنني كنت منهارة…لا أعرف كيف أتصرف ولا إلى أين اذهب …تذكرت سارة صديقتي فهاتفتها وطلبت مساعدتها, طلبت مني مقابلتها في منزلهم الكبير.

ولم أتردد في ذلك بل أسرعت إليها وأخبرتني بأنها ستساعدني:

سارة: لا تحزني يا أمل ربك كريم يا عزيزتي وسوف يندم والداك على ما فعلوه بك.

قلت: ولكن أين أجد مسكن الآن؟ هذا صعب و…

سارة مقاطعة: سوف تسكنين في شقة أخي راشد.

قلت: هل لديك أخٌ اسمه راشد؟

سارة: نعم وهو صاحب هذه الشقة التي أخبرتك عنها.

قلت بأسى: ألن يغضب لو علم بوجودي في شقته أو يكون بحاجة إليها؟

سارة: لا أبدا … وهو مسافر منذ فترة وربما يتأخر في سفره قليلا…لا تفكري بالأمر ويمكنك السكن فيها منذ اليوم إن أردتِ.

رمال من أمل 17

في الجامعة:

كان أول يوم لي بعد الغياب  شعرت بأنني أرى الطالبات والأساتذة لأول مرة مع أن الفترة كانت قصيرة إلا أنني أحسست بأنها شهر كامل التقيت ببعض الطالبات المستجدات وكن يسألنني عن بعض الأماكن بالجامعة.

قابلت فتاة في مثل عمري: مرحبا

قلت: أهلا بك

قالت: هل تعرفين أين يقع مكتب الأستاذ جبران؟

قلت: هل تقصدين استاذ الفكر والفلسفة؟

قالت: نعم.

أجبتها حسنا تعالي معي وسأدلك عليه.

قالت: شكرا…لم أتشرف باسمك…

أجبتها: اسمي أمل…وأنتي؟

قالت: سارة

قلت: تشرفت بك.

سارة: أشكرك

وصلنا لمكتب الأستاذ وقلت: هذا هو مكتبه

سارة: أشكرك جدا لقد اتعبتك معي

قلت: لا شكر على واجب

تركتها عند المكتب وذهبت لمحاضرتي الأولى حين رأيت طالبات صفي وهن يرحبن بي بعد عودتي كان نهارا جميلا لكني استغربت عدم  وجود بدور بينهن

كان صوتها يصدح بالمكان حين تأتي, سألت إحدى الطالبات عنها فقالت: أوه بدور فصلت من الجامعة ألا تعلمين ذلك؟

قلت: فصلت؟ متى حدث ذلك؟

قالت: فصلت الخميس الماضي لسوء سلوكها.

شرد ذهني قليلا: سوء سلوكها؟ هل عرفوا ما تقوم به؟ أم حدث شيء آخر؟

سألتها مجددا: ما الذي فعلته بالضبط؟

قالت: شتمت أستاذا كما أنها لم تكن تحضر المحاضرات بل كانت تجلس مع الفتيات في الكافيتيريا طوال الوقت.

نظرت إليها بحيرة: هذا مخجل حقا.

تابعت يومي دون التفكير في بدور وقابلت سارة من جديد في المطعم وأصبحنا نلتقي دائما حتى صرنا صديقات مقربات والحمدلله أنها ليست مثل بدور نهائيا بل هي أفضل منها بكثير

كنا ندرس معا ونلتقي في الحديقة الكبيرة بمدينتا عرفت كل شيء عن عائلتي وانا عرفت عائلتها أيضا فهي ابنة تاجر معروف وكانت تسافر كثيرا مع والديها واخوتها، لديها أخان راشد و جابر الذي يدرس في هندسة الطيران.

في يوم من الأيام وصلت للجامعة مبكرة جدا وجلست في الكافيتيريا فلم يكن لدي محاضرة صباحية رأيت مجموعة فتيات يضحكن بصوت عال ويغنين أيضا, لم أكن مكترثة لهن لكن تقدمت مني إحدى الفتيات وقالت: لم لا تأتين وتغنين معنا يا فتاة؟

قلت: لا أحب الغناء.

قالت: أترفضين طلبي؟

قلت: نعم أرفض.

قالت: لكننا نحب أن نسمع أصوات الفتيات هنا.

قلت: دعيني وشأني من فضلك ولتغنين أنتي كما يحلو لك

نادت عليها فتاة أخرى: سعاد ماذا تفعلين تعالي

سعاد: رفضت المجيء ماذا أفعل؟

تقدمت الأخرى منا وحين اقتربت قالت: لم لا تريدين المجئ؟

رفعت رأسي وقلت: أنا…

قاطعتني قائلة: أنتي ؟

قلت: أنتي هجير

تذكرتها جيدا فلم أنسى وجهها حين رفعت يديها لتضربني في المحل.

رمال من أمل 16

استلقيت على السرير بعد أن خرج راشد من غرفتي كنت أفكر في تصرفاتي معه, كيف أسمح لنفسي بالتحدث معه ومقابلته بمفردي دون خجل؟!

دخل الطبيب وقال لي: تبدين بصحة جيدة يا آنسة.

قلت: نعم الحمد لله…متى يمكنني الخروج؟

الطبيب: حالما تشفين تماما سأكتب لك ورقة الخروج.

قلت: لكنني لا أشعر بتعب الآن.

الطبيب: علينا الاهتمام بك مهما كنت تشعرين فالمرض لا لعب فيه …كما أن خطيبك أوصانا بمراعاتك جيدا هل نخذله؟

قلت بدهشة: خطيبي؟!

الطبيب: نعم السيد راشد خطيبك أليس كذلك؟

سرحت كثيرا في تلك الكلمة : خطيبي! لما قال ذلك؟

الطبيب: يا آنسة هل أنتِ بخير؟

انتبهت لنفسي وقلت: نعم نعم بخير يا دكتور…حسنا نفذ ما يريده خطيبي راشد لكن أتمنى أن لا أبقى هنا كثيرا.

الطبيب: ألا يعجبك مشفانا؟

أجبت: مهما كان مستواه ومظهره فلا أحد يحب البقاء في المشفى عموما ألست محقة؟

الطيب: نعم أنتِ كذلك.

مر يومان على وجودي بالمشفى استطعت بعدها الخروج حين جاء راشد ووقع على ورقة الخروج, عدت للمنزل ولم أكلم أحد حتى والداي لم يسألاني عن شيء, جلست فقط في غرفتي  أنظر لأغراضي بصمت

كان الوقت بطيئا ومحملا بالملل والثقل, لم أذهب للجامعة منذ مدة ولا أعلم شيئا عن دراستي حتى أنني لم أكون صداقات أخرى مع البنات سوى بدور

آآآآه يا بدور كم كرهتك, لما فعلتي بي ذلك لما خنتي صداقتنا؟ كيف أمكنك اللعب بي ومحاولة جعلي من بنات الليل, لقد رأوني الناس معك بالحفل الممل ذاك ترى ما رأيهم بي؟ ماذا قالوا عني؟

فكرت بأشياء كثيرة وقررت العودة لدراستي بعد غد الأحد ونسيان كل ما حدث لي بالفترة الطويلة هذه, سافر راشد أيضا لإنهاء بعض الأعمال, كم كان لطيفا معي رغم خوفي منه حين خرجنا مع من الحفل.

ربما أنساه خلال هذه الفترة وألتقي بأناس آخرون, وربما ينساني هو خلال سفره ويلتهي بأعماله الأخرى.

رمال من أمل 15

في منزلنا:

وقف أبي أمام طاولة الطعام ونادى بيلين.

بيلين: نعم سيدي.

قال: أحضري لي فنجان قهوة.

بيلين: حاضر سيدي.

توجه ناحية غرفتي وفتح الباب قائلا بعصبية: إلى متى ستبقين بهذه الحال؟ لقد تزوجت أختك وسافرت…هيا انهضي بسرعة…كم أخجل لكونك ابنتي.

ظل واقفا وهو ينظر للمكان بعصبية: هيا ألا تسمعين؟

دخل وأضاء النور وتفاجئ بعدم وجودي…نظر حوله مندهشا: أين يمكن أن تذهب في هذه الساعة من يوم الجمعة؟

خرج مناديا مرة أخرى: أمل…هي أمل أين أنتِ؟…أمل؟

سمعته أمي وخرجت قائلة: ما بك يا رجل لما كل هذا الصراخ الآن؟

قال: ابنتك ليست في المنزل.

قالت: هل نسيت أن سميرة تزوجت؟

قال: وهل تراني ذكرت سميرة الآن…هل نسيتي أن لك ابنة اخرى يا امرأة؟

قالت: أمل؟ أين يمكن أن تذهب…ابحث عنها في حديقة المنزل.

نادت على بيلين: هل ريت أمل اليوم؟

بيلين: كلا لم أرها غرفة كانت مقفلة من أمس حين عدنا لم يخرج أحد منها.

قال أبي: إلى أين ذهبت هذه الفتاة؟

قالت أمي: دعك منها يا رجل إنها لا تحترم أحد…فلو كانت تحترمنا لأبلغتنا عن خروجها.

في المشفى:

راشد: يجب أن يعلم والديك عن مكانك يا أمل حتى وإن لم يهتموا…ففي النهاية هم أهلك ولا يجوز أن لا نخبرهم.

قلت: لم يسألوا عني منذ الأمس يا راشد فلماذا اهتم لهم؟

راشد: لأنهم أهلك يا أمل ويجب أن تكوني أفضل منهم وتبريهم مهما فعلوا.

قلت: حسنا فلتحدثهم أنت هل يمكنك ذلك؟

راشد: نعم بالتأكيد لكن ما هو رقم منزلكم؟

أخبرته بالرقم وقام بإبلاغهم ورغم ذلك لم يأتي أحدٌ منهم لرؤيتي حتى الظهيرة حين قدمت أمي بمفردها ودخلت بدون أن تنظر لراشد أو تعيره اهتماما: مرحبا…أخبروني بأنك مريضة .

أدرت وجهي للناحية الأخرى ولم أجبها.

تابعت قائلة: يقول الطبيب أنك بخير…ولذلك متى ما صرحوا لك بالخروج سأرسل سائق ليأخذك …أبلغيني قبلها…وداعا.

سقطت دموعي بغزارة ووقف راشد مذهولا مما رآه وسمعه: هل يعقل أن تكون هذه أم؟

كنت أقول: لا أريد أن أراها مجددا…لقد قلت لك لا تخبرهم …هل رأيت كيف يهتمون بي…سترسل السائق لأخذي أيضا ولن تأتي معه أو ترسل والدي…

جلس راشد بجانبي وقال: اهدأي يا أمل ولا تبكي

كان يربت على كتفي ويحاول مواساتي…يديه الدافئتين كانت تربكني…كنت أهدأ بمجرد سماع صوته ولمسه لي… كلماته تدفعني لمشاعر غريبة لم أشعر بها من قبل.

بدأت أحاول فهم مشاعري تجاهه ولم أدرك أنني وقعت في حبه…وتبقى مشاعري بداخلي طالما أنني لا أعرف مشاعره تجاهي وإن كان هناك مشاعر أصلا يكنها لي…ربما يعتبرني أخته أو صديقة تعرف عليها.

لاحظت شروده وتفكيره وهو ينظر إلي: لما أهتم بها هكذا؟ أنا لم أعرفها إلا منذ فترة قصيرة جدا وفي حفل يظم مجموعة كبيرة من المنحرفين والمنحرفات وأصحاب السوء

يجب أن …حسنا ما ذنبها فيما فعلته صديقتها أو من كانت صديقتها هي لم تعرف ما تضمره لها نهائيا…ربما كانت تكذب علي وربما…يا الله كم من فكرة تدور في رأسي ولا أعرف كيف أنهي حيرتي هذه.

راشد: أمل هل يمكنني أن أسألك سؤالا؟

قلت: تفضل.

راشد: لمَ وافقت على ركوب سيارة جاسم مع بدور؟

أجبت بخجل: لا أدري كيف وافقتها لقد أجبرتني وكانت تحاول إقناعي بأن جاسم صديق والدها ويثقون به جميعهم…لم أكن أدرك بأنها تكذب علي أبدا…لقد لمت نفسي كثيرا.

راشد: لكنك حضرت الحفل أيضا.

قلت: أخبرتك ما قالته لي…هل تعتقد انني…

قاطعني قائلا: لا أريد أن أعتقد شيئا الآن كل ما أريد معرفته لم توافقين على كل ما تطلبه منك ولا ترفضين؟

أجبت: كنت أعتبرها صديقة وأخت تريد إسعادي وإدخال البهجة لقلبي لما كانت تراه من معاناتي مع والدي.

نظر إلي بحيرة ولم يتحدث لكنه استأذن بعدها للذهاب لعمله.

رمال من أمل 14

بقيت نائمة لساعات طويلة على السرير وكان راشد ينظر إلي ولا يحرك ساكنا.

حدق راشد بيديه وثيابه: كم تجذبني رائحتها التي تسكن ثيابي ويدي …وتبدو كالملاك وهي نائمة.

نهض من مكانه ووقف أمام نافذة الغرفة: سأنسيك فهد وطائفته إنه لا يستحق منك دمعة واحدة…أنتي ستكونين لي وحدي وبإرادتك…ياااااااه كيف أفكر هكذا ما الذي يحدث لي؟

دخل الطبيب وقطع أفكار راشد قائلا: ألم تستيقظ بعد؟

راشد: استردت وعيها وحدثتني لكنها نامت.

فحصني الطبيب وقال: ستكون بخير إن شاء الله…يجب أن تستريح يا سيدي فما من داع لوجودك معها الآن.

نظر راشد لساعته وكانت تشير للواحدة مساءا وقال: معك حق سأنصرف وأعود في الصباح الباكر.

في منزلنا دخلت أمي وهي تزفر من التعب وألقت بجسدها على السرير تحدث أبي: منذ أن وضعت أمك في دار المسنين ولم تتصل بهم لتسأل عنها.

أبي بضحكة ساخرة: ومنذ متى تهمك أمي؟

قالت: ليس هذا ما قصدته وإنما حديث الناس هو المهم أنت تعرف أن لنا مركز اجتماعي الآن وعلينا مراعاة تصرفاتنا والحذر من كل شيء.

أبي: معك حق…سأتصل بهم غدا صباحا أو بعد غدٍ.

ناموا دون حتى التفكير بي أو السؤال عني وكأنني لا أعني لهم شيئا, حتى بيلين توقعت أنني نائمة ودخلت لتنام أيضا.

في صباح اليوم التالي نهضت من نومي ولم أرى راشد بل كانت تقف بجانبي ممرضة صغيرة قالت لي: صباح الخير آنستي.

قلت بتعب: صباح النور.

الممرضة: كيف حالك الآن؟

قلت: بخير.

الممرضة بابتسامة:  أنا ممرضتك سون وأنا هنا لخدمتك والعناية بك.

أجبت: شكرا لك يا سون.

سون: هذا فطورك آنستي…هيا لتتناوليه.

قلت: لا أشعر برغبة في الأكل.

سون: لا يمكن آنستي الطعام مهم لصحتك.

قلت: حقا لا أريد الآن.

سون: أنتي عنيدة لا أعرف كيف أجعلك تتناولينه…حسنا سأعود بعد قلبل, أرجوك تناوليه يا آنستي.

قلت: سأحاول.

نظرت لأشعة الشمس المتسربة من النافذة…إنها الساعة الثامنة صباحا ترى هل علمت أمي بأنني بالمشفى؟ ألا تهتم بي لهذه الدرجة؟…آه يا جدتي لو كنتِ هنا لما تركتيني بمفردي أبدا.

كنت سارحة جدا لدرجة أنني لم ألحظ دخول راشد للغرفة إلا حين قال لي وهو يمد يديه بملعقة من الطعام قائلا: صباح الخير.

فتحت فمي لأجيب فأدخل اللقمة بفمي وضحكنا معاً.

راشد: فيم كنتي تفكرين؟ قالت لي الممرضة أنك رفضتي تناول الطعام أيضا.

قلت: ليس لدي رغبة بتناول شيء…صحتي لا تهم أحد فليس لدي من يهتم بي والدتي مشغولة طوال الوقت وفقدت صديقتي الوحيدة التي خذلتني وأختي خانتني مع …

مد راشد يديه بلقمة أخرى مؤنبا: بقيت أنا معك طوال الليل ولم أنم إلا حين اطمئنيت عليك وعدت الآن كل هذا ولا أحد يهتم بك…يبدو أنك ناكرة للجميل.

ضحكت بصوت عال وكانت هذه هي أول ضحكة تخرج من قلبي: آسفة حقا لتفكيري لم…

وضع يديه على فمي قائلا: لا داعي للاعتذار نحن لم نعرف بعضنا سوى من فترة قصيرة.

 

« Older entries